والثاني: تصير لأن الذبح فعل ظاهر، فإذا اقترن بالنية صار آكد من القول بغير نية، فصار فيما تصير به أضحية ثلاثة أوجه:
أحدها: بالقول وحده.
والثاني: بالنية وحدها.
والثالث: بالنية والذبح.
فأما الهدايا ففيما يوجبها الشافعي قولان، ولأصحابه وجهان آخران أحد قولي الشافعي وهو الجديد أنها لا تجب إلا بالقول، فيقول: قد جعلت هذه البدنة هدياً.
والثاني: وهو القديم أنها تصير بالتقليد والإشعار هدياً، وإن لم يقل، لأنه علم ظاهر كالقول.
والثالث: وهو أحد وجهي أصحابنا أنها تصير هدياً بالنية وان لم يقلدها، ويشعرها كالأضحية.
والرابع: وهو الوجه الثاني لأصحابنا: أنها تصير هدياً بالذبح مع النية والله أعلم بالصواب.
مسألة:
قَالُ الشَّافِعِيِ:" فَإذاً أَوََجُبَّهَا لَمْ يَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْبِلَهَا بِحال".
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا أوجب الأضحية وعينها خرجت بالإيجاب عن ملكه، ومنع من التصرف فيها، ووجب عليه مؤنثها وحفظها إلى وقت نحوها، وهو قول علي عليه السلام، ومذهب أبي يوسف وأبي ثور.
وقال أبو حنيفة، ومحمد: لا تخرج بالإيجاب عن ملكه، ولا يمنع من التصرف فيها، ويكون بإيجابها مخيراً بين ذبحها أو ذبح غيرها، احتجاجاً بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أهدى مائة بدنة عام حجه، فقدم عليه علي من اليمن فأشركه فيها، ولو خرجت بالإيجاب عن ملكه ما جعل فيها شركاً لغيره؛ ولأنه لو أوجب على نفسه عتق عبد فقال: لله علتي أن أعتقه لم يخرج بهذا الإيجاب عن ملكه جماعاً، وكذلك إيجاب الأضحية لا يخرجها عن ملكه احتجاجاً. ولأن ما تعلق بالأعيان المملوكة من حقوق الله تعالى تقتضي زوال الملك، ولا يمنع من التصرف كالزكاة إذا وجبت في المال.
ولأن القصد في إيجابها ما ينتفع به الفقراء من لحمها وانتفاعهم بلحم غيرها كانتفاعهم بلحمها، فوجب أن يستويا.
ولأنها بعد الإيجاب مملوكة فلما لم تصر ملكا للفقراء وجب أن تكون باقية على ملك المضحي.