الأضحى في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي قالت: فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد كان الناس ينتفعون بضحايا هم يحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما ذاك قيل: يا رسول الله: نهيت عن اقتناء لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وتصدقوا وادخروا"، فاشتمل هدا الحديث على تحريم ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث لأجل الدافة ثم على إباحة الادخار بعد الدافة، والدافة النازلة يقال: دف القوم موضع كذا إذا نزلوا فيه، فاختلف أصحابنا في معنى هذا النهي والإباحة على وجهين:
أحدهما: أنه نهي تحريم على العموم في المدينة التي دف البادية إليها وفي غيرها حرم به ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث في جميع البلاد، وعلى جميع المسلمين وكانت الدافة سبباً للتحريم ولم تكن علة للتحريم ثم وردت الإباحة بعدها نسخاً للتحريم، فعمل جميع الصحابة بالنسخ إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه بقي على حكم التحريم في المنع من ادخارها بعد ثلاث ولم يحكم بالنسخ، لأنه لم يسمعه.
وقد روى الشافعي عن مالك عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة ثم قال: "كلوا وتزودوا وادخروا" فعلى هذا إذا دف قوم إلى بلد من فاقة لم يحرم ادخارهم لحوم الأضاحي لاستقرار النسخ.
والثاني: أنه نهي تحريم خاص لمعين حادث اختص بالمدينة ومن فيها دون غيرهم لنزول الدافة عليهم، وكانت الدافة علة لتحريم ثم ارتفع التحريم بارتفاع موجبه، وكانت إباحة الرسول إخباراً عن السبب ولم تكن نسخاً، فعلى هذا اختلف أصحابنا إذا حدث مثله في زماننا، قذف ناس إلى الفاقة، فهل يحرم على أهله ادخار لحوم الأضاحي لأجلهم لوجود علة التحريم كما حرم عليهم بالمدينة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يحرم عليهم لوجود علة التحريم كما حرم عليهم بالمدينة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
والثاني: لا يحرم، لأن التعليل بالدافة كان لزمان على صفة فصار مقصوراً عليه.
فصل:
فإذا ثبت ما وصفناه من مسلك الضحايا في هذه الجهات الأربع الأكل والادخار والصدقة والهدية اشتمل حكمها على فصلين:
أحدهما: في مقاديرها، فليس تتقدر في الجواز، وإنما تتقدر في الاستحباب؛ لأنه