وكذلك نظائر ما ذكرناه، وجميع هذا مكروه للأحرار.
فأما العبيد ففيهم وجهان:
أحدهما: يكره لهم كالأحرار، وهو قول الأكثرين.
والثاني: لا يكره لهم؛ لأنهم أدنى من الأحرار، فليتأهبوا أدنى الاكتساب، فإن أخذ ساداتهم كسبهم كره لهم أن يأكلوه، ولم يكره لهم أن يطعموه رقيقهم، وبهائمهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمحيصة حين سأله عنه: "أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك " والله أعلم.
باب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتةمسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ولا يحل أكل زيت ماتت فيه فأرة" ..
قال في الحاوي: وأصل هذا ما رواه الشافعي عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن، فماتت فيه، فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها، فقال: "ألقوها وما حولها وكلوه". فكان هذا الحديث وارداً في السمن إذا كان جامداً: لأن إلقاء ما حولها لا يصح إذا كان ذائباً.
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السمن تقع فيه الفأرة، فقال: "إن كان جامدا، فألقوها، وما حولها، وان كان ذائباً فأريقوه ".
وهذا الحديث وارد في الجامد والمانع، والحديث الأول أثبت.
فإذا ماتت فأرة أو غيرها من الحيوان في سمن أو غيره من دهن أو دبس أو لبن لم يخل حاله من أن يكون جامدا، أو مانعا.
فإن كان جامدا بخس بموت الفأرة ما حولها من السمن: لأنها نجاسة لاقت محلاً رطباً، فنجس بها كما ينجس الثوب الرطب إذا لاقى نجسا يابساً، وكان ما جاوز ما حول الملاقي للفأرة طاهراً: لأن جموده يمنع من امتزاجه بالنجس.
وان كان السمن مائعا نجس جميعه قليلاً كان أو كثيراً، سواء تغير بالنجاسة، أو لم يتغير؛ بخلاف الماء الذي لا ينجس إذا بلغ قلتين، ولم يتغير.
وحكي عن أبي ثور أنه كالماء إذا بلغ قلتين لم ينجس، حتى يتغير وحكي عن أبي حنيفة أنه أجراه مجرى الماء، وأنه إذا اتسع، ولم يلتق طرفاه لم ينجس، بناء على أصله في أن المائع كالماء في إزالة الأنجاس، وهذا أصل قد خولف فيه، وتقدم الكلام فيه، ثم الدليل على المائع خصوصا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وان كان ذائباً فأريقوه ". فلما عمّ أمره بالإراقة دلّ على أنه لا مدخل له في الطهارة؛ لأنه لا يأمر باستهلاك الأموال في غير