المأكول ممن يجب قتله في ردّة أو حرابة أو زناً جاز أن يأكل المضطر من لحمه لكن بعد قتله، ولا يأكل لحمه في حياته، لما فيه من تعذيبه، فإن أكل من لحمه حياً كان مسيئاً إن قدر على قتله، ومعذوراً إن لم يقدر على قتله لشدة الخوف على نفسه، فإن لم يجد المضطر ما يمسك رمقه إلا بقطع عضو من جسده ففي إباحته وجهان:
أحدهما: وهو محكي عن أبي إسحاق المروزي إذا كان غالب قطعه السلامة لحفظ نفسه بعضو من جسده، كما يقطع إذا وقعت فيه الأكلة ليحفظ به نفسه.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه يجمع بقطعه بين خوفين، فكان أسرع إلى تلفه وليس كقطع الأكلة، لأن يأمن سرايتها بقطعه.
فصل:
فإذا تكرر ما ذكرنا من حكم الاستباحة على الانفراد انتقلنا إلى الجمع بين كل مستباحين بالضرورة محظورين من غير ضرورة.
فمن ذلك إذا وجد المضطر، وهو محرم ميتة وصيداً حياً.
وهي مسألة الكتاب، ففيما يستبيحه منهما قولان:
أحدهما: وهو مذهب مالك وأبي حنيفة: أنه يأكل الميتة دون الصيد لأمرين:
أحدهما: أن استباحة الميتة نص، واستباحة الصيد اجتهاد.
والثاني: أن أكل الميتة لا يوجب الضمان، وأكل الصيد موجب لضمان الجزاء، فصارت الميتة بهذين الأمرين أخف حكماً.
والثاني: وهو اختيار المزني: أنه يأكل الصيد، ويعدل عن الميتة لأمرين:
أحدهما: أن إباحة الصيد عامة، وحظره خاصة من الإحرام، وحظر الميتة عام، واباحتها خاصة في الاضطرار، فكان ما أباحته أعمّ أخفّ مما تحريمه أعم.
والثاني: أن تحريم الصيد لمعنى في غيره، وتحريم الميتة لمعنى فيها، فكان ما فارقه معنى التحريم أخف مما حله معنى التحريم، فثبت بهذين أن أكل الصيد أولى.
فأما إذا وجد ميتة ولحم صيد قتله محرم، فإن قيل: بذكاته كان أولى من الميتة وإن قيل: بنجاسته كان الميتة أولى منه.
فصل:
وإذا وجد المضطر ميتة وطعاماً لغيره، فإن أذن له في أكله حرمت عليه الميتة، وإن منعه من أكله حلّت له الميتة، وإن كان غائباً لم يأذن ولم يمنع فعلى قولين كالميتة مع الصيد.
ولو وجد المضطر المحرم مبدأ وطعام الغير، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يأكل الصيد؛ لأن تحريمه عليه من حق الله تعالى، فكان أخف.