وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في خطبة الوداع: "ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. فأول ربا أضعه ربا عمي العباس، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع وأول دم أضعه دم الحارث بن عبد المطلب". ثم قد اجمع المسلمون على تحريم الربا وإن اختلفوا في فروعه وكيفية تحريمه حتى قيل إن الله تعالى ما أحل الزنا ولا الربا في شريعة قط، وهو معنى قوله: {وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} النساء:161 يعني: في الكتب السالفة.
فصل
فإذا ثبت تحريم الربا بما ذكرنا من الكتاب والسنة والإجماع فقد اختلف أصحابنا فيما جاء به الكتاب من تحريم الربا على وجهين:
أحدهما: أنه مجمل فسرته السنة. وإن ما جاءت به سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفسير لما تضمنه مجمل كتاب الله عز وجل من الربا نقداً أو نساء.
والثاني: أن تحريم الربا من كتاب الله تعالى إنما يتناول معهود الجاهلية من الربا في النساء وطلب الفضل بزيادة الأجل ثم وردت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزيادة الربا في النقد فاقترنت بما تضمنه التنزيل، وإلى هذا كان يذهب أبو حامد المروزي.
فصل
فإذا تقرر أن الربا حرام فلا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب. فكل عقد كان رباً حراماً بين مسلمين في دار الإسلام، كان رباً حراماً بين مسلم وحربي في دار الحرب سواء دخل المسلم إليها بأمان أو بغير أمان.
وقال أبو حنيفة: لا يحرم الربا على المسلم من الحربي في دار الحرب سواء دخل بأمان أو بغير أمان. احتجاجاً بحديث مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب، ولأن أموال أهل الحرب مباحة للمسلم بغير عقد فكان أولى أن يستبيحها بعقد. والدلالة على أن الربا في دار الحرب حرام كتحريمه في دار الإسلام، عموم ما ذكرنا من الكتاب والسنة. ثم من طريق المعنى والعبرة: أن كل ما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الشرك كسائر الفواحش والمعاصي ولأن كل عقد حرم بين المسلم والذمي، حرم بين المسلم والحربي كدار الإسلام، ولأنه عقد فاسد فوجب ألا يستباح به المعقود عليه كالنكاح.
فأما احتجاجه بحديث مكحول فهو مرسل والمراسيل عندنا ليست حجة. فلو سلم لهم لكان قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا رباً" يحتمل أن يكون نفياً لتحريم الربا ويحتمل أن يكون نفياً لجواز الربا فلم يكن لهم جملة على نفي التحريم إلا ولنا حمله على نفي الجواز ثم حملنا أولى لمعاضدة العموم له، وأما احتجاجه بأن أموالهم يجوز استباحتها بغير عقد