فكان أولى أن تستباح بعقد فلا نسلم إذا كانت المسألة مفروضة في دخوله إليهم بأمان لأن أموالهم لا تستباح بغير عقد فكذا لا يستبيحها بعقد فاسد. ولو فرضت المسألة مع ارتفاع الأمان لما صح الاستدلال من وجه آخر وهو أن الحربي إذا دخل دار الإسلام جاز استباحة ماله بغير عقد ولا يجوز استباحته بعقد فاسد.
ثم نقول: ليس كل ما استبيح منهم بغير عقد جاز أن يستباح منهم بالعقد الفاسد. ألا ترى أن الفروج يجوز استباحتها منهم بالفيء من غير عقد ولا يجوز استباحتها بعقد فاسد، فكذا الأموال وإن جاز أن تستباح منهم بغير عقد لم يجز أن تستباح بالعقد الفاسد. والله أعلم.
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وبها تركنا قول من روى عن أسامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الربا في النسيئة" لأنه مجمل وكل ذلك مفسر فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الربا أفي صنفين مختلفين ذهب بورق أم تمر بحنطة؟ فقال: "الربا في النسيئة" فحفظه فأدى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يؤد المسألة".
قال في الحاوي: وهذا صحيح. والربا ضربان: نقد، ونساء. وأما النساء: فهو بيع الدرهم بالدرهمين إلى أجل وهو المعهود من ربا الجاهلية والذي قد أجمع على تحريمه جميع الأمة. وأما النقد: فهو بيع الدرهم بالدرهمين يداً بيد، فمذهب جمهور الصحابة وكافة الفقهاء تحريم ذلك كالنساء، وذهب خمسة من الصحابة إلى إحلاله وإباحته وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم والبراء بن عازب تعلقاً بخبرين:
أحدهما: ما استدل به ابن عباس أن أسامة بن زيد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما الربا في النسيئة". فلما أثبت الربا في النسيئة دل على انتفاء الربا في النقد.
والثاني: ما رواه عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال: باع شريك لي دراهم بدراهم بالكوفة وبينهما فضل. فقلت: ما أراه يصلح هذا فقال: لقد بعتها في السوق فما عاب علي ذلك أحد، فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وتجارتنا كذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما كان يداً بيد فلا بأس به وما كان نسيئة فلا خير فيه. وأتيت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة منا، فأتيته فسألته فقال لي مثل ذلك وهذا نص.
والدلالة على تحريم ذلك أربعة أحاديث:
أحدها: حديث عبادة بن الصامت المقدم ذكره في صدر الباب. وقوله: "إلا سواء بسواء يداً بيد".
والثاني: حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الفضة بالفضة والذهب بالذهب سواء بسواء فمن زاد واستزاد فقد أربى. الآخذ
والمعطي سواء