فذهب أبو العباس إلى جواز بيع بعضه ببعض رطباً إذا اعتبر فيه التماثل بالكيل والوزن إلحاقاً باللبن الذي يجوز بيع بعضه ببعض قبل الادخار واليبس لأن أغلب منافعه في حال رطوبته. وذهب جمهور أصحابنا وهو الظاهر من منصوص الشافعي إلى أنه لا يجوز بيعه رطباً برطب ولا يابساً برطب حتى يصير يابساً مدخراً. لأن بعضه إذا يبس مختلف، والاعتبار فيه بالمنفعة وخالف الألبان والمائعات من الأدهان لأنها لا تيبس بأنفسها.
وكان أبو علي بن أبي هريرة يجعل مذهب أبي العباس قولاً للشافعي ويخرج المسألة على قولين:
أحدهما: جواز ذلك وهو المحكي عن أبي العباس تعلقاً بأن الشافعي قال هي موضع من كتاب البيوع. ولا يجوز بيع البقل المأكول من صنفه إلا مثلاً بمثل فعلى هذا القول يعتبر فيه المماثلة: فإن كان ما يتجافى في المكيال كالبطيخ والرمان اعتبرت فيه المماثلة بالوزن، وإن كان مما لا يتجافى في المكيال كالنبق والعناب ففيه وجهان.
أحدهما: أنه يعتبر فيه المماثلة بالكيل؛ لأنه المنصوص عليه في كتاب الأصل.
والثاني: وهو الصحيح من المذهب والمشهور من قول الشافعي: إن بيع ذلك رطباً لا يجوز بجنسه فعلى هذا لا يجوز أن تباع رمانة برمانتين لظهور التفاضل، ولا رمانة برمانة لعدم التماثل لكن يجوز بيع رمانة بسفرجلتين يداً بيد لاختلاف الجنسين.
فصل
فأما ما يكون مأكوله في جوفه كالجوز واللوز فلا يجوز بيع بعضه ببعض عدداً، ولا كيلاً، ولا وزناً لأن المقصود منه اللب، والقشر يختلف.
فإذا خرج عن قشره حتى صار لباً فرداً جاز بيع بعضه ببعض كيلاً إن كان مكيلاً ووزناً إن كان موزوناً، فأما مع اختلاف الجنسين فلا بأس به وإن كان في قشره. وهذا نص الشافعي.
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وما كان من الأدوية هليلجها وبليلجها وإن كانت لا تقتات فقد تعد مأكولة ومشروبة فهي بأن تقاس على المأكول والمشروب للقوت، لأن جميعها في معنى المأكول والمشروب لمنفعة البدن أولى من أن تقاس على ما خرج من المأكول والمشروب من الحيوان والثياب والخشب وغيرها".
قال في الحاوي: واعلم أن المأكولات قد تختلف جهات أكلها على أنواع ستة:
أحدها: ما يؤكل قوتاً كالبر والشعير، ويتبع هذا النوع التمر والزبيب.
والثاني: ما يؤكل إدماً كالزيتون والبصل وقد يلحق بهذا النوع الألبان والأدهان.
والثالث: ما يؤكل إبزاراً كالكمون والفلفل، وقد يدخل في هذا النوع الملح.
والرابع: ما يؤكل تفكهاً كالرمان والسفرجل. وقد يضاف إلى هذا النوع الخضر.
والخامس: ما يؤكل حلواً كالسكر والعسل.
والسادس: ما يؤكل دواء كالإهليلج والبليلج فيجري الربا في جميعها حتى يجمع بين السقمونيا والبر في حصول الربا فيهما.