وإن كان البر يؤكل قوتاً عاماً والسقمونيا تؤكل دواء نادراً لوجود علة الربا فيهما على سواء. فما كان من هذه المأكولات مكيلاً أو موزوناً ثبت فيه الربا على العلتين معاً وما كان منه غير مكيل ولا موزون ثبت فيه الربا على علته في الجديد دون القديم وعليه يقع التفريع، وأما ما كان مأكول البهائم كالحشيش والعلف فلا ربا فيه لأن التعليل بالأكل متوجه إلى أكل الآدميين دون البهائم.
فأما ما يشترك في أكله الآدميون والبهائم فالواجب أن يعتبر فيه أغلب حالتيه. فإن كان الأغلب منهما أكل الآدميين ففيه الربا اعتباراً بأغلب حالتيه كالشعير الذي قد يشترك في أكله الآدميون والبهائم وأكل الآدميين له أغلب فثبت فيه الربا وإن كان الأغلب من حالتيه أكل البهائم فلا ربا فيه كالعلف الرطب الذي قد ربما أكله الآدميون عند تقديمه. وإن استوت حالتاه فكان أكل البهائم له كأكل الآدميين من غير أن تكون إحدى الحالتين أغلب. فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: لا ربا فيه لأن الصفة لم تخلص.
والثاني: فيه الربا وهو الصحيح لوجود الصفة وحصول الزيادة.
فصل
وإذا تقرر هذا الأصل فسنوضحه بالتفريع عليه وذكر ما اختلف أصحابنا فيه.
اعلم أن الريحان، والنيلوفر، والنرجس، والورد، والبنفسج، لا ربا فيها. لأنها قد تتخد مشمومة إلا أن يريب شيء منها بالسكر أو بالعسل كالورد المعمول جلجبين فيصير فيه الربا لأنه صار مأكولاً. واختلف أصحابنا في ماء الورد. هل فيه الربا أم لا على وجهين:
أحدهما: لا ربا فيه اعتباراً بأصله.
والثاني: فيه الربا لأنه قد يستعمل في الطعام مأكولاً. فأما العود، والصندل، والكافور، والمسك، والعنبر. فلا ربا في شيء منها، لأنها طيب غير مأكول. وأما الزعفران ففيه وجهان:
أحدهما: لا ربا فيه لأن المبتغى منه لونه كالعصفر. والثاني: فيه الربا لأنه مأكول وطعمه مقصود.
فأما الأترج والليمون والنارنج ففيه الربا؛ لأنه وإن كان طيباً ذكياً فهو مأكول والأكل أغلب حالتيه.
فأما العشار والأشج فلا ربا فيهما وكذلك الشيح لأنها تستعمل بخوراً. وأما اللبان والعلك ففيهما الربا، لأن الأكل أغلب حالتيهما، وكذلك المصطكى.
وأما اللوز المر والحبة الخضراء والبلوط ففيها الربا، لأنها مأكولة وإن كانت مباحة النبت، وكذلك القثاء وحب الحنظل.
فأما القرطم وحب الكتان ففيهما وجهان:
أحدهما: أن فيهما الربا لأنهما قد يؤكلان.
والثاني: وهو أصح أنه لا ربا فيهما لأن الأغلب من أحوالهما عدم الأكل وإن أكلا