نادراً. وأما الطين فإن كان أرمنياً ففيه الربا؛ لأنه يؤكل دواء وكذلك إن كان مختوماً. وإن كان من غير الأدوية كالطين الذي قد ربما أكله بعض الناس شهوة فلا ربا فيه لأن أكله ممنوع منه فصار أكله كأكل التراب.
فأما الأدوية التي لا تؤكل وإنما تستعمل من خارج البدن طلاء أو ضماداً، فلا ربا فيها لفقد الصفة. واختلاف أصحابنا في الصمغ فأثبت بعضهم فيه الربا ونفى عنه بعضهم الربا لأنه طلاء. وأما البذور التي لا تؤكل إلا بعد نبتها كبذر الجزر والبصل والفجل والسلجم ففيها وجهان:
أحدهما: فيها الربا لأنها فرع لمأكول وأصل لمأكول.
والثاني: لا ربا فيها لأنها غير مأكولة في أنفسها فجرت مجرى العجم والنوى الذي لا ربا فيه. وإن كان فرعاً لمأكول وأصلاً لمأكول.
والوجه الأول أصح، بخلاف النوى، لأن النوى لا يؤكل بحال، وهذه البذور تؤكل، وإنما يؤخر أكلها طلباً لإكمال أحوالها كالطلح والبلح.
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وأصل الحنطة والتمر الكيل فلا يجوز أن يباع الجنس الواحد بمثله وزناً بوزن ولا وزناً بكيل لأن الصاع يكون وزناً أرطالاً وصاع دونه أو أكثر منه فلو كيلا كان صاع بأكثر من صاح كيلاً".
قال في الحاوي: وهذا كما قال. كل شيء فيه الربا إذا بيع بجنسه فالاعتبار في تماثله بالكيل والوزن عادة أهل الحجاز في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان بالحجاز في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكيلاً، كان أصله الكيل، فلا يجوز أن يباع بعضه ببعض إلا كيلاً. وما كان موزوناً كان أصله الوزن، فلا يجوز أن يباع بعضه ببعض إلا وزناً، ولا اعتبار بعادة غير أهل الحجاز ولا بما أحدثه أهل الحجاز بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال مالك: يجوز أن يباع ما كان مكيلأً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزناً بوزن، كالتمر الذي قد جرت عادة أهل البصرة ببيعه وزناً، ولا يجوز أن يباع ما كان موزوناً كيلاً بكيل. وقال أبو حنيفة: أما الأربعة المنصوص عليها فلا يجوز بيع بعضها ببعض إلا كيلاً بكيل. ولا اعتبار بما أحدثه الناس من بعد، وأما ما سوى الأربعة فالاعتبار فيها بعادة الناس في بلدانهم وأزمانهم ولا اعتبار بالحجاز ولا بما كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فأما مالك فاستدل على ذلك بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه "نهى عن بيع البر بالبر إلا مثلاً بمثل". والتماثل معلوم بالوزن كما هو معلوم بالكيل.
قال: ولأن الوزن أخص من الكيل، فلذلك جاز بيع المكيل وزناً ولم يجز بيع الموزون كيلاً. وأما أبو حنيفة فاستدل بأن الأربعة منصوص على الكيل فيها فلم يجز مخالفة النص وما سوى الأربعة فالاعتبار فيه بالعادة. وعادة أهل الوقت أولى أن تكون معتبرة من أوقات سالفة وبلا مخالفة. لأن التفاضل موجود بمقادير الوقت. والدلالة