وقال أبو حنيفة في الصحيح في الروايات: كل ما خالطه نجاسة نجس حتى لو وقع في بحر نجاسة فإنه نجس ما يلي موضع وقوع النجاسة، وما لا تخلص إليه النجاسة فإنه طاهر، ومنهم من قال: إذا بلغ الماء عشرًا في عشر في عمق بئر لا ينجس لوقوع النجاسة فيه، وإن كان دونه تنجس، ومنهم من قال: إذا بلغ قدرًا لو حرك أحد جوانبه لم يتحرك الجانب الآخر لا ينجس، وإلا نجس، وهذا ليس بتحديد حقيقة بل جعله أمارة على وصول النجاسة إليه، وهذا كله غلط لما ذكرنا من الخبر المعروف. وقوله في خبر ابن عمر: "لم يحمل خبثًا" أو قال: "نجسًا" شك الراوي وقوله: في بشر بضاعة وهي تطرح فيها المحايض تطرح في بطن الوادي فيسل بها السيل إلى البئر. وقيل: معناه أن المنافقين والمشركين كانوا يطرحونها فيه علمًا منهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمائها، ثم قال الشافعي: ومعنى قوله: "لا ينجسه شيء" إذا كان كثيرًا قصد به الرد على مالك وجماعة، وذكر في الخبر الطعم والريح، ولم يذكر اللون فذكره الشافعي وألحقه بهما (213 ب/ 1)، لأنه في معناهما، ثم ذكر بعد هذا موضع آخر حجة أبي حنيفة، وهي ما يروى عن ابن عباس- رضي الله عنه "أنه نزح زمزم من زنجي مات فيها"، وأجاب عنه بخمسة أجوبة نقلها المزني في سطرين على الاختصار: أحدهما قوله: لا نعرفه وزمزم عندنا يعني نحن من أهل مكة، وزمزم بمكة فلا نعرف هذا الخبر، فكيف عرفه أهل الكوفة بالكوفة.
والثاني: قوله: وروى عن ابن عباس أنه قال: أربع لا يجنب فذكر الماء منها. قال
صاحب "الإفصاح" معناه: لا ينجس فكأنه عارض تلك الرواية بهذه، إلا أنه قد قيل: هذه المعارضة لا تصح؛ لأن ابن عباس أراد به لا ينجس من الجبث، ولا الثوب الذي يلاقيه، ولا المكان الذي هو عليه، ولا الماء الذي يماسه. وقيل معناه: لا ينجنب منهن بالشك في نجاستين.
والثالث: قوله: وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم أراد: أنَّا روينا عن ابن عباس ما روينا في بئر بضاعة بابن عباس أنه يخالفه.
والرابع: قوله: وقد يكون الدم ظهر فيها فنزحها إن كان فعلها، وهذا تأويل منه للخبر إن ثبت، كأنه يقول يحتمل أن الزنجي لما سقط في البئر دمى بعض بدنه (214 أ/ 1) منه وظهر لون دمه في الماء فلذلك نزح.
والخامس: قوله: "أو ننظف لا واجبًا" يريد تأويلًا آخر، وهو أنه نزع لا لنجاسة بل تنظفًا وتطييبًا للنفوس؛ لأنه ماءه يعد للشرب غالبًا.
فإذا تقرر هذا فذكر حد القلتين. قال الشافعي: روى في الخبر بِقِلاّلِ هَجِر، قال ابن جريح: وقد رأيت قلال هجر، فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئًا. وقال الشافعي: والاحتياط أن نجعل قربتين ونصفًا؛ لأن الشيء هو عبارة عن أقل من النصف، فالقلتان خمس قرب، وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل من الماء، فيكون ماء القلتين