والمعاوضة تصح مع الإقرار وتبطل مع الإنكار، لأن ما لم يجب من الحقوق لم يجز المعاوضة عليه.
فأما الجواب عن استدلالهم بالآية فهو أنها مخصوصة بما ذكرنا من الدلائل.
وأما الجواب عن استدلالهم بقوله عليه السلام"كل مال وقي المرء به عرضه فهو صدقة" فهو أن يكون المقصود به البر لأن المال لا يخلو المقصود به من ثلاثة أحوال:
إما أن يقصد به القربة وهو الصدقة.
أو الصلة وهو الهبة.
أو المعاوضة وهو البيع. وليس مال الصلح مقصوداً به البر ولا الصلة فثبت أن المقصود به المعاوضة والخبر لا يتناول المعاوضة فلم يكن فيه دلالة.
وأما الجواب عن قياسهم علي المقر فهو أن المعني في المقر أن العوض مأخوذ عما ثبت له فصح. وفي المنكر عما لم يثبت له فلم يصح.
فأما الجواب عن استدلالهم بأن اختلاف الاسامي يوجب اختلاف المعاني فاقتضي ان يكون الصلح مخالفاً للبيع.
فهو أن البيع مخالف للصلح من وجهين:
أحدهما: أن الصلح في الغالب يكون بعد التنازع والمخاصمة والبيع بخلافه.
والثاني: أن المقصود بالصلح الإرفاق وبالبيع المعاوضة.
فكان افتراقهما من هذين الوجهين لا من حيث ما ذكر من الإقرار والإنكار.
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الاعتبار بالآخذ دون البازل كالشاهد فهو أنه ليس بصحيح. والشاهد إنما كان له ابتياع من شهد بعتقه لأنه كان محكوماً برقه لبايعه. وإن قصد مشتريه استنفاذه من رقه كما أن قصد من اشتري عبداً مسلماً من كافر استنفاذه من أسره.
وأما الجواب عن استلالهم بأن المنع من الصلح من الإنكار يفضي إلي المنع من الصلح بكل حال فغلظ؛ لأن المقر له قد يصالح أيضاً إما لكون المقر غاصباً بيده وإما لكونه مماطلاً بحقه ويرى أن يتعجل قبض البعض بالصلح ولا يمنع من الكل بالغضب أو المطل.
فصل
فإذا ثبت أن الصلح مع الإنكار لا يجوز فلو صالحه مع إنكاره كان الصلح باطلاً ولزم رد العوض ولم يقع الإبراء حتى لو صالحه من ألف درهم قد أنكرها علي خمسمائة درهم وأبرأه من الباقي لزمه في الحكم رد ما قبض ولم يبرأ مما بقي حتى لو أقام بالألف بينه عادلة كان له استيفاء جميعها، وإنما كان كذلك لأن ما قبضه بالصلح الفاسد لا يملكه كالمقبوض بالبيع الفاسد. والإبراء كان مقروناً بملك ما صالح به فلما