ولأنهم ربما ازدحموا فأضربهم أو سقط عليه ضرير لا يبصر فتأذى وليس كذلك الجناح في الهواء، فأما إن كان الجناح مضراً بالمارة والمجتازين قلع، ولم يقر، وأمر الإمام بهدمه وإن لم يختصم الناس إليه فيه.
وقال أبو حنيفة: إن خوصم فيه إلي الإمام قلعة، وإن لم يخاصم تركه لأن الإمام حاكم وليس بخصم، والحاكم لا يحكم ألا لطالب وهذا الذي قاله خطأ لأمرين:
أحدهما: أن الإمام مندوب لإزالة المنكر والنيابة عن كافة المسلمين في أبواب المصالح فوجب ان ينفرد بإزالة المنكر.
والثاني: أن ما يجوز إقراره لا يفتقر إلي الرضا به في الترك وكذا ما لايجوز إقراره لا يفتقر إلي إنكاره في القلع. وليس هذا من طريق الحكم فلا يحكم إلا لخصم لأن الخصم فيه لا يتعين فإنما كافة الناس فيه شرع واحد.
فإذا وجب قلعة فبذل صاحبه مالاً صلحاً علي تركه لم يجز لأمرين:
أحدهما: أنه صلح علي إقرار منكر.
والثاني: أنه صلح علي الهوى.
فأما حد ما يضر مما لا يضر فمعتبر بالعرف والعادة ومختلف باختلاف البلاد.
وقال أبو عبيد بن حربوية من أصحابنا: حد الضرر أن لا يمكن الفارس ان يختار تحته برمح قائم وحكي نحوه عن شريح.
وهذا التحديد ليس بصحيح لأن الرماح مختلفة في الطول والقصر. ولأن هذا يؤدي الي أن لا يخرج أحد جناحاً لأن الرمح قد يعلو علي المنازل في أكثر البلاد.
ولأنه لا مضرة علي صاحب الرمح في الاجتياز برمحه مائلاً. وإذا كان كذلك وجب أن يعتبر ذلك بحسب البلاد.
فإن كان البلد قد تجتاز في طرقه الجمال التي عليها الكبائس والعماريات وذلك علي ما يجتاز في الطرقات فحد الإضرار أن لايمكن اجتياز الكبائس والعماريات تحته وإن أمكن اجتيازها بمضر.
فإن كان البلد مما لم يجر عادة الكبائس والعماريات أن تجتاز به وجرت عادة الجمال المحملة أن تجتاز فيه فحد الإضرار فيها أن لا يمكن اجتياز الجمال المحملة تحته. وإن أمكن فليس بمضر.
وإن لم تجر عادة البلد باجتياز الفرسان فيه فحد الإضرار فيه أن لا يمكن اجتياز الرجل التام إذا كان علي رأسه حمولة مستعلية فإذا ثبت ما وصفنا فحد الإضرار معتبر بما ذكرنا.