قال في الحاوي: وهذا كما قال: إذا ادعي الإخوان داراً في يد رجل فاعترف المدعي عليه لأحد الأخوين بجميع الدار وأنكر الذاخر فهذا علي ضربين:
أحدهما: أن ينسبا تلك إلي جهة واحدة يستويان فيها فتكون الدار للأخوين معاً.
والثاني: أن لا ينسباها إلي جهة يتساويان فيها فللمقر له حالان:
حال يقبل الإقرار بجمعيها، وحال لا يقبل. فإن لم يقبل الإقرار بجميعها كان له النصف الذي ادعاه. فإما لنصف الآخر الذي أقر له به ولم يقبله ففيه لأصحابنا ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن يكون مقراً في يد المدعي عليه ويكون المكذب خصماً له فيه لأنه لم يستحق أخذه مع أن يده عليه.
والوجه الثاني: انه ينزع النصف من يده ويوضع علي يد حاكم حتى إذا ثبت عنده مستحقه سلمه إليه لأن إقراره أوجب رفع يده.
والثالث: أنه يدفع إلي مدعيه لأنه خصم له فيه. وإن قبل مدعي النصف الإقرار بالكل انتزع الكل من المدعي عليه ثم نظر فإن كان المقر له قد حفظ عليه تصديق أخيه في ادعائه النصف أما قبل الإقرار له أو بعده لزمه تسليم النصف إلي أخيه. بما تقدم من إقراره؛ لأن إقراره علي غيره لا يلزم فإذا صار القبض إلي يده لزمه.
ألا تري أن رجلاً لو أقر أن الدار التي في يد فلان مغصوبة من فلان لم يلزمه إقراراه فلو صارت الدار إليه ببيع أو هبة أو ميراث لزمه إقراراه ووجب عليه تسليم الدار إلي من اقر بغصبها منه فأما إن لم يكن مدعي النصف صدق أخاه في دعواه فله أن ينفرد بجميع الدار ولا حق فيها لأخيه إلا أن يستأنف الدعوي عليه فيصير خصماً له فيها.
فإن قيل: فهو إنما ادعي النصف فكيف يجوز أن يدفع إليه الكل ويزاد علي ما ادعاه قيل قد اختلفت أصحابنا.
فكان بعضهم لأجر هذا السؤال يقول: إن المسألة مقصورة علي أنه ادعي نصفها ملكاً وباقيها يدا. فإذا أقر له بالجميع دفع إليه بدعوى الملك واليد ولم لم يدع هذا لم يدفع إليه إلا النصف.
وقال جمهور أصحابنا: بل يدفع إلي جميعها وإن لم يدع سابقاً إلا نصفها لأنه ليس بمنكر ان يكون له جميع الدار فيدع نصفها لأمور:
منها: أن يكون نصفها مصدق عليه فلم يدعيه ونصفها منازع فيه فادعاه.
ومنها: أن يكون له بنصفها بينه حاضرة وبنصفها بينه غائبة فيدعي نصفها لتشهد به البينة الحاضرة ويؤخر الدعوى في النصف الآخر إلي أن تحضر البينة الغائبة.
ومنها: أن يدعى ما لا منازعة له فيه استثقالاً للخصومة وهي تأخير النزاع.
فلهذه الأمور صح إذا ادعي النصف أن يدفع إليه الجميع.