من العناء فإن الفارس إذا ركب كانت إحدى يديه في العنان والأخرى يتصرف فيها كيف شاء، كذلك مالهما الذي في الشركة مقصور على الشركة وما بقي يتصرف فيه كيف شاء، كذلك وفرق بينها وبين المفاوضة التي لا تصرف لأحدهما في غير شركة المفاوضة لأنه لا يجوز أن يكون لأحدهما مال من جنس الأثمان خارجًا عنه.
وجملته: أنها لا تصح إلا بأربع شرائط: إحداها أن يكون ما يخرجه كل واحٍد منهما مثل ما يخرجه الآخر جنسًا ونوعًا وصفًة وصفة الجنس أن يكون دراهم أو دنانير أو لا يكون منهما. وصفة النوع أن يكون سكة واحدة راضية أو غزية أو نيسابورية ولا يكون بعض من واحد أو بعض من آخر. والصفة أن تكون صحاحًا أو مكسرة ولا يكون منهما وهذا لأنهما لا يختلطان والخلط شرط عندنا. وقال مالك: لا يشترط الخلط ولكن يشترط أن تكون يدهما على المالين، أو يد وكيلهما وهذا غلط لأنهما إذا كانا متميزين فمال كل واحدٍ منهما يتلف منه دون صاحبه فلا تنعقد الشركة كما لو لم يكن في يدهما. وهل تفتقر هذه الشركة إلى وجود المماثلة في المقدار؟
قال عامة أصحابنا وهو المذهب: لا تفتقر إليه ويجوز التفاضل فيه فيكون لأحدهما ألف وللآخر ألفان. وقال أبو القاسم الأنماطي: لابد فيها من المماثلة في القدر، لأن الشافعي رحمه الله قال: والشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد منهما دنانير مثل دنانير صاحبه، ولم يفرق بين الصفة والمقدار وهذا لأنهما يتفاضلان في الربح على استوائهما في العمل فكما لا يجوز التفاضل 50/ أ في الربح مع التساوي في المال، لا يجوز التفاضل في الربح مع التساوي في العمل. وهذا غلط لأن العمل في الشركة تابع للمال والمال هو الأصل فلم يصح اعتبار العمل بالمال. ومراد الشافعي بما ذكر المثل في الجنس والصفة دون القدر.
والشرط الثاني: في خلط المالين، فلو اشتركا ولم يختلطا لم يجز على ما ذكرنا. وقيل: يشترط خلط المالين ثم العقد فيقولان: اشتركنا بعدما خلطنا.
والثالث: أن يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف، ولو خلطا ولم يأذنا في التصرف لا يجوز التصرف وقد ذكرنا. وذكر بعض أصحابنا بخراسان أنه يشترط تعيين النوع الذي يتصرفان فيه خلافًا لأبي حنيفة. وأما قول المزني: فإن اشتريا لا يجوز أن يبيعه أحدهما دون صاحبه أراد أنهما لو خلطا المالين واشتريا شيئًا معًا من رجل لا يجوز لأحدهما أن يبيع ذلك الشيء إلا بإذن صاحبه، وقد صرح المزني بهذا في "الجامع الكبير".
ومن أصحابنا من قال: هذا راجع إلى شركة العروض، ومعناه إذا باع أحدهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه لا يجوز لأحدهما أن يبيع دون صاحبه والأول أصح. ثم قال المزني: "فإن جعل كل واحٍد منهما لصاحبه أن يتجر في ذلك كله بما رأى من أنواع التجارات قام في ذلك مقام صاحبه فما ربحًا أو خسرًا فلهما وعليهما نصفين". فإن قال قائل: كيف قام مقام صاحبه وصاحب الملك يبيع بما عز وهان من