مسألة (1):قال: فإن وكله بطلب حد له.
الفصل
وهذا كما قال: الوكالة جائزة في تثبيت القصاص وحد القذف في قول الكافة. وحكي عن أبي يوسف أنه قال: لا يجوز ذلك وهذا غلط لأنها وكالة في تثبيت حق فجاز كالتوكيل في إثبات سائر الحقوق. وأما في حدود الله تعالى لا تتصور الدعوى والطلب والتوكيل. وأما الوكالة في استيفا، القصاص وحد القذف يجوز بحضوة الموكل قولآ واحدآ وذلك نيابة كنيابة الجلاد والحداد. وهل يجوز بغيبة الموكل؟
قال الشافعي (2): ها هنا لم أحد له ولم أقر حتى يحضر المحدود له والمقتص له. وقال في باب القصاص بالسيف: ولو أذن له فجيء به ثم عفا الولي عنه فقتله الوكيل فيه قولان: أحدهما: لا شيء عليه والثاني: لا قود عليه ولكن عليه الدية والكفارة. واختلف أصحابنا فيه على ثلاثة طرق:
قال أبو إسحاق: يجوز أن يوكل في استيفائه بحضرته وغيبته قولًا واحدًا وقصد هاهنا ضربًا من الاحتياط والاستحباب لا أنه منع التوكيل في غيبته وهو المنصوص في باب الشهادة على الجناية في آخر الديات قال: وتجوز الوكالة في تثبيت البينة على القتل عمدًا أو خطأ، فإن كان القود لم يدفع إليه حتى يحضر الولي أو من يوكله بقتله فيكون له قتله فأخبر أن حضور وكيله بمنزلة حضوره وهذه الطريقة اختيار القافي أبي حامد والقاضي الطبري وبه قال مالك رحمهم الله.
ووجهه أن كل ما جاز توكيله في استيفائه بحضرة الموكل جاز في غيبته كسائر الحقوق ومن أصحابنا من قال: 69 / ب قولًا واحدًا لا يجوز ذلك لأنه ربما يعفو أو يكذب البينة فيحرم قتله، وإذا كان غائبًا لا يمكنه استدراكه ومن قال بهذا تأول ما قاله في باب القصاص على أنه تنحى به لئلا يترشش عليه الدم ولم يغب عنه، وذكر القافي الطبري في "المنهاج" أن هذا هو المذهب الصحيح وبه قال أبو حنيفة.
وقوله: قد يقر له معناه قد يقر بمثل ما يقوله المشهود عليه أنه غير قاذف أو غير قاتل وعلى هذا لو كان قد وكله في ابتداء الأمر بالاستيفاء بعد التثبيت فليس للوكيل الاستيفاء بذلك التوكيل المتقدم حتى يجدد له إذنًا، والمسألة محتملة. وبه قال أبو حنيفة وهذا لا يصح، لأن الأصل عدم العفو وكان خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم يحكمون في البلاد مع جواز النسخ لأن الأصل عدمه ويجوز إمضاء الحكم في القصاص مع غيبة الشهود والحاكم، ويجوز رجوع الشهود وتغير اجتهاد الحاكم. ومنهم من قال: فيه قولان وهذا اختيار صاحب "الإفصاح". فإذا قلنا: لا يجوز فوكل واقتص الوكيل بغيبته وقع القصاص موقعه ولكن لم يستوفه بوكالة صحيحة. وإذا قلنا: يجوز