واقتص بغيبته وكان بعد العفو قبل العلم قد ذكرنا قولين فإذا قلنا: يلزم الدية ففي صفة الدية وجهان.
قال أبو إسحاق: دية عمد محض في ماله حالة، وقال ابن أبي هريرة: دية عمد الخطأ مؤجلة على العاقلة. وإذا قلنا: لا دية ففي وجوب الكفارة وجهان، وقال ابن أبي ليلى رحمه الله: إذا وكله في إثبات القصاص له استيفاؤه ما لم ينه عنه وهذا غلط لأن الإثبات غير الاستيفاء وينفرد عنه فلا يجوز أن يكون التوكيل بأحدهما توكيلاً بالآخر. وأما حدود الله تعالى إذا ثبتت فللإمام أن يستوفيها بنفسه وله أن يوكل في استيفائها ويصح التوكيل فيه بحضرة الإمام وغيبته قولًا واحدًا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خبر المتساوقين: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" (1). وأمر برجم ماعز بن مالك بغير حضرته، ولأنه لا معنى لاشتراط حضور الإمام لأن الحق ليس له ولا يجوز عفوه عنه ولا يسقط بقوله. 70/ أ.
مسألة (2): قال: وليس للوكيل أن يوكل إلا أن يجعل ذلك إليه الموكل.
وهذا كما قال: إذا وكل رجل رجلًا في تصرف لا يخلو من أحد أمرين إما أن يطلق التوكيل، أو يفوض إليه أن يوكل غيره فإن قال: وكلتك فيه ولم يرد عليه نظر فإن كان مما يمكن أن يتولاه بنفسه لم يكن له أن يوكل فيه غيره لأنه رضي بأمانته فلم يكن له تفويضه إلى غيره كما لو أودعه وديعة كان عليه حفظه وليس أن يودعها عنا غيره.
وقال ابن أبي ليلى: له أن يوكل كما للومي أن يوكل وهذا غلط لما ذكرنا، والفرق بينه وبين الوصي أنه يتصوف بنوع ولاية لأن له التصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه بخلاف الوكيل. ولأن الوصي لا يملك أن يوصي إلى غيره فكذلك الوكيل لا يوكل. وإن كان مما لا يمكن أن يتولاه بنفسه ولا بد من معونة غيره جاز له التوكيل فيه وجهًا واحدًا، وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجهان: أحدهما: يجوز كعامل القراض. والثاني: وهو الأصح لا يجوز لأنه غير مأذون فيه. وهذا غلط لأنه يقتضيه العرف والعادة لعلمه أنه لا يمكنه القيام به.
ثم هل له أن يوكل في جميع ما فوض إليه أو يوكل في القدر الذي لا يمكنه القيام فيه بنفسه؟ وجهان: أحدهما: يجوز في جميعه لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه فجاز في جميعه كما لو أذن له في التوكيل لفظًا. والثاني: لا يجوز إلا في قدر ما لا يمكنه التصرف فيه بنفسه لأنه يجوز التوكيل للحاجة فاختص بما دعت إليه الحاجة، بخلاف ما إذا صرح بإطلاق التوكيل. وهذا إذا كان ممن لا يتصاون عن الأسواق ولا يتولى التصرف بنفسه يجوز له التوكيل فيه بكل حال، لأن إذنه له في التصرف مع علمه بحاله إذن له في التوكيل.
وهكذا إذا كان العمل مما لا يباشره الوكيل في العادة. ذكره القاضي الطبري