واختلف أصحابنا في هذا، فمنهن من قال قول واحد أنه (261 ب/ 1) لا يجب، وإن صح الخبر، ولفظه يحمل على الاستحباب والاختيار. وقيل: معنى قوله: "فليتوضأ" أي ليكن على وضوء لتتهيأ له الصلاة على الميت. ومنهم من قال: فيه قولان. فإذا قلنا: يجب، فقد قيل: إنه غير معقول المعنى، ويؤمر به تعبدًا للشرع وهو الصحيح.
وقيل: إنما وجب لأن الميت نجس والماء الذي يلاقيه نجس، فلا ينفك من يغسله عن نجاسة تصيبه، منه، ولا يعرف مكان فيلزمه غسل كل بدنه.
وقيل: إن لم نقل الميت نجس فلا نأمن أن تصيبه نجاسة مما يخرج منه، فأمر بالغسل للاحتياط. أو لما جاز أن يجب علينا أن نغسله جاز أن يجب علينا الغسل لغسله. وهذه وجوه ضعيفة.
وأما الوضوء بمسه فلا يجب، وتأويله كما ذكرنا كما قال: "ومن حمله فليتوضأ" على معنى أن يكون على وضوء عند حمله لئلا تفوته الصلاة عليه. وقيل: أراد مس ذكره. وقيل: أراد غسل اليد، فكذا في الوضوء من حمله أراد إذا باشر الحامل شيئًا من بدنه يغسل يده.
وروى عن أحمد أنه قال: يجب الوضوء من مسه، والغسل لا يجب إن شاء الله. وهذا غلط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الماء من الماء". فدل أنه لا يجب الغسل من غير خروج الماء بحق الظاهر، ولأن غسل (262 أ/ 1) آدمي فلا يوجب الغسل، كما لو غسله حيًا، ولأنه مس آدميًا لا يقصد به الشهوة فلا وضوء عليه كما لو مس حيًا. وقال أبو حنيفة والمزني: لا يسن الغسل من غسله، ولا الوضوء من مسه. وهذا غلط لما ذكرنا من الخبر.
مسألة: "وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ للأَعْيَاَدِ هو سُنَّةٌ اخْتِيَارًا".
وهذا كما قال: غسل العيد والجمعة سواء في الأحكام إلا في شيئين. أحدهما: أنه يستحب ذلك لجميع الناس، كالغسل للإحرام دون هذا. والثاني: يجوز قبل الفجر في قول.
وقال في "البويطي": ويغتسل للعيدين قبل الفجر وبعده. وقال القاضي الطبري: لا أعرف للشافعي غير هذا، فالمسألة على قول واحد بخلاف غسل الجمعة. وقال أبو حامد:
قال في "الأم": لا يجوز الغسل لها قبل الفجر كالجمعة. فالمسألة على قولين، وجملة مسنونات الغسل في غير الحج أربعة: غسل الجمعة، وغسل العيد،