لترجع علي، أو أنفق علي ففي وجوب تقديره للنفقة وجهان:
أحدهما: يجب تقديرها لتنتفي الجهالة عن ضمانها، وليزول الخلف بينهما في قدرها، فعلى هذا إن أنفق عليها من غير تقدير المودع كان متطوعاً لا يرجع بنفقته، وإن قدر له قد أرجع به، وإن زاد عليه كان متطوعاً.
والثاني: لا يجب تقديرها لأن لنفقتها حداً يراعى فيه كفايتها فلم يحتج إلى التقدير، فعلى هذا يجوز إذا كان المالك هو الآذن في النفقة أن يتولاها المستودع بنفسه، ويقبل قوله في قدرها إذا لم يدع سرفاً، وإن لم يشترط له الرجوع بالنفقة حين أذن فيها ففي جواز رجوعه بها وجهان:
أحدهما: يرجع اعتباراً بالأغلب من حال الإذن.
والثاني: لا يرجع لاحتمال الإذن.
فصل
وأما القسم الثاني: وهو أن ينهاه عن علفها فلا يجوز له في حق الله تعالى أن يدع علفها، لأنها ذات نفس يحرم تعذيبها، ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن ذبح البهائم (1) إلا لمأكلة، وقال: "في كل ذات كبد حرى أجر" (2) وعليه أن يأتي الحاكم حتى يجبر المالك على علفها إن كان حاضراً أو يأذن له من علفها ليرجع به إن كان غائباً، فإن علفها من غير حكم حاكم لم يرجع، وإن تركها فلم يعلفها حتى هلكت فالمحكي عن جمهور أصحابنا أنه لا يضمن، وهذا قول أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي، وغيرهما، لأن نهيه عن النفقة إبراء من ضمان الذمة.
وقال أبو سعيد الإصطخري: يضمن، وهو الأصح عندي، لأنه شرط قد منع الشرع منه فكان مطرحاً، وعلى كلا الوجهين لا يسقط عنه المأثم، وإنما الوجهان في الغرم، وعلى هذين الوجهين لو أذن له السيد في قتل عبده كان في سقوط الغرم عن قاتله وجهان، وقد حكاهما ابن أبي هريرة، وزعم أنهما مخرجان من اختلاف قوليه في الرهن إذا أذن للمرتهن في وطء الجارية المرهونة: هل يسقط عنه المهر بالإذن أم لا؟ على قولين فأما إن أمر بقطع يده أو جلده لم يضمن وجهاً واحداً، لاحتمال أن يكون الأمر بقطعه حداً في سرقة والجلد حداً في زنا، والله أعلم.
فصل
وأما القسم الثالث: وهو أن لا يأمره بعلفها ولا ينهاه فعليه علفها، لما يلزمه في الشرع من حرمة نفسها، فإن لم يعلفها حتى هلكت في مدة إن لم تأكل فيه تلفت فعليه غرمها.