أحدها: أن لا يتميز من جميع الدراهم، فيصير بخلطه متعدياً في الجميع، لأنه قد خلط الوديعة بمال نفسه، فصار ضامناً بجميعها.
والثاني: أن يتميز ذلك الدرهم دون غيره مما يتميز ويصير كمن خلط دراهم الوديعة بدنانير نفسه عن جميع الدراهم فليس عليه، إلا ضمان ذلك الدرهم دون غيره.
والثالث: أن يكون مما يتميز عن بعض الدراهم ولا يتميز عن بعضها، مثل أن تكون بعض الدراهم بيضاء وبعضها سوداء، والدراهم المردودة فيها أبيض أو أسود، فيضمن من ذلك ما لا يتميز عن الدرهم المردود بدلاً ولا يضمن ما تميز عنه.
مسألة (1)
قال الشافعي: "ولو أودعه دابة وأمره بعلفها وسقيها فأمر من فعل ذلك بها في داره كما يفعل بدوابه لم يضمن وإن بعثها إلى غير داره وهي تسقى في داره ضمن وإن لم يأمره بعلفها ولا بسقيها ولم ينهه فحبسها مدة إذا أتت على مثلها لم تأكل ولم تشرب هلكت ضمن وإن لم تكن كذلك فتلفت لم يضمن وينبغي أن يأتي الحاكم حتى يؤكل من يقبض منه النفقة عليها ويكون ديناً على ربها أو يبيعها فإن أنفق على غير ذلك فهو متطوع".
قال في الحاوي: وصورتها في رجل أودع رجلاً دابة فلا يخلو حاله عند إيداعها عنده من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يأمره بعلفها.
والثاني: أن ينهاه عن علفها.
والثالث: أن لا يأمره ولا ينهاه.
فأما القسم الأول: وهو أن يأمره بعلفها فعليه أن يربطها في حرز مثلها ويعلفها ويسقط عند حاجتها وقدر كفايتها، فإن علفها مع دوابه في منزله وكان حرزاً جاز وإن لم يكن حرزاً ضمن، وإن علفها مع دوابه وفي غير منزله فإن لم يكن حرزاً أو كان إلا أن القيم بها إذا لم يشاهده قصر في علفها ضمن، وإن كان حرزاً والقيم بها إذا أفرده بعلفها مع غير دوابه لم يقصر في علفها لم يضمن، ومراد الشافعي رضي الله عنه بإطلاق الضمان ما ذكرنا، وهو قول جمهور أصحابنا.
وقال أبو سعيد الإصطخري: متى عزلها عن دوابه وعلفها وفي غير إصطبله ضمنها بكل حال، لأن الظاهر من فعل نظيره لنفسه أن اصطبله أحرز، وعلفها مع دوابه أحوط، فإذا ثبت ما وصفنا من مال حرزها وعلفها فلا يخلو حاله في الإذن من أحد أمرين: إما أن يشترط له الرجوع أو لا يشترط له الرجوع، فإن شرط له الرجوع فقال: أنفق عليها