الإطلاق جاز مع حدوث هذه الضرورات المتجددة إحراجها، لأن نهيه عن إخراجها، إنما هو لفرط الاحتياط في حفظها، فلم يجز تكرها في مكان يفضي إلى تلفها، فإن تركها ولم ينقلها حتى تلفت فعليه الضمان، لتفريطه بالترك وإن نص على أن لا تخرج منه، وإن غشيت نار، أو حديث غارة، فإن كان حيواناً يخاف على نفسه من غشيان النار كان هذا فيه شرطاً باطلاً ولزم إخراجه مع النهي عنه، كما يلزم علفه، وإن نهي عنه، فإن أخرجه لم يضمنه، وإن تركه ففي ضمانه وجهان كالدابة إذا شرط عليه أن لا يعلفها، وإن لم يكن حيواناً يخاف تلف نفسه ففي لزوم شرطه وجهان بناء على اختلاف الوجهين المحكيين عن أبي إسحاق المروزي في الوكيل إذا وكل من شراء عبد بعينه بعشرة فاشتراه بأقل منها، فإن لم ينهه الموكل عن شرائه بأقل من عشرة صح الشراء، وإن نهاه ففي لزوم شرط وصحة عقده وجهان:
أحدهما: الشرط باطل، والشراء صحيح.
والثاني: أن الشرط اللازم، والشراء الباطل كذلك هذا الشرط، وهذا الموضع يخرج على هذين الوجهين:
أحدهما: يلزم لقطع الاجتهاد بالنص، فعلى هذا إن أخرجه ضمن وإن تركه لم يضمن.
والثاني: لا يلزم تغليباً لحكم الاحتياط في نصه، فعلى هذا إن أخرجه لم يضمن، وإن تركه ففي ضمانه وجهان على ما ذكرنا في الدابة المنهي عن علفها إذا لم يعلفها، فأما مؤنة إخراجها ونقلها فإن منع كان متطوعاً به، وكذلك لو كان له ولم يجب عليه كان متطوعاً به، وإن وجب عليه كان كالعلف على ما مضى.
مسألة (1)
قّالَ الشَّافِعِيُّ: "وَلَوْ قَالَ المُودِعُ أَخْرَجْتُهَا لَمَّا غَشِيتَنْي النَّارُ، فَاِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ نَارٌ، أَوْ أَثَرٌ، يَدُلُّ فَلقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيِنِه".
قال في الحاوي: وهذا كما قال: إذا أخرج الوديعة من حرز شرط عليه أن لا يخرجها منه فقد ذكرنا أنه إن كان لضرورة لم يضمن، إن كان بغير ضرورة ضمن، فلو اختلف المودع والمستودع، فقال المستودع: أخرجتها لنار غشيت أو لغارة حدثت فلا ضمان علي، وقال المودع: بل أخرجتها بغير سبب فعليك الضمان فلا يخلو حال هذه الدعوى في غشيان النار وحدوث الغارة من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يعلمه عياناً أو خيراً أو يرى لذلك أثراً، فالقول قول المستودع مع يمينه بالله تعالى أنه أخرجها لذلك، وإنما يلزمه اليمين وإن علمنا حال العذر، لجواز أن يكون