قال في الحاوي: وصورتها: في رجل أوع رجلاً وديعة ثم طالبه بها فجحدها وقال: لم تودعني شيئاً، ثم عاد فاعترف بها وقال: قد كنت استودعتها وتلفت، أو قامت بها البينة عليه، فادعى بتلفها لم يقبل منه لأمرين:
أحدهما: أنه قد صار بالجحد متعدياً فضمنها، ومن ضمن وديعة لم تسقط عنه الغرم بتلفها.
والثاني: أنه بالإنكار الأول قد أكذب نفه بادعاء التلف، فعلى هذا لو أقام بينة على تلفها فهذا على ضربين:
أحدهما: أن تشهد له البينة بتلفها بعد الجحود، فلا تسمع، والغرم واجب عليه، لأنها تلفت بعد الضمان ولو سأل إحلاف المودع أنه لا يعلم بتلفها لم يكن ذلك له.
والثاني: أن تشهد له البينة بتلفها قبل الجحود، ففي استماعها والحكم بها وجهان:
أحدهما: يسمح ويحكم بها، ويسقط عنه الغرم، لأنها تلفت قبل ضمانها بالجحود.
والثاني: وهو اختيار أبي علي بن أبي هريرةء أنها لا تسمع ولا تسقط عنه الغرم، لأنه قد كذب لها بالجحود المتقدم.
فصل
ولو قال حين طولب الوديعة: ليس لك معي وديعة، أو لا حق لك في يدي، ثم أقر بها وادعى تلفها قبل منه، لأنه ليس في القولين تكاذب، ومن تلفت الوديعة منه فلا وديعة معه ولا يده، وخالف حال المنكر لها لما فيه من تكاذب القولين، والله أعلم.
مسألة (1)
قال الشافعي: "وإن شرط أن يربطها في كمهء فأمسكها بيد، فتلفت لم يضمن ويده أحرز".
قال في الحاوي: هكذا روى المزني أنه لا يضمن ويده أحرز، وروى الربيع في الأم أنه يضمن وكمه أحرز، فاختلف أصحابنا وكان بعضهم يحمل اختلاف الروايتين على اختلاف قولين:
أحدهما: وهو ما رواه المزني هاهنا أنه لا يضمن، ويده أحرز من كمه، لأنها قد تسرق من كمه ولا تسرق من يده.
والثاني: وهو ما رواه الربيع في "الأم" (2) أنه يضمن وكمه أحرز من يده لأن اليد حرز مع الذكر دون النسيان والكم حرز مع الذكر والنسيان وامتنع أبو إسحاق المروزي، وأبو علي بن أبي هريرة، وكثير من أصحابنا من تخريج ذلك على قولين، وحملوا رواية