أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري، لا ضمان عليه، لأنه لا يلزمه أن يقي مال غيره بنفسه، كما لو صال عليه فحل فغلبه.
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي: أنه ضامن لها، لأنه ليس له أن يقي نفسه بمال غيره، كما لو ألقى في البحر مال غيره، وقد جعل هذان الوجهان بنا، على الوجهين من الصائم إذا أكره على الفطر فأكل بنفسه وتخريجاً من القولين في المكره على القتل، فعلى هذين الوجهين لو امتنع من دفعهما وحلف إنكاراً لها فإن جعلناه ضامناً للدفع كانت يمينه يمين مكره لا يتعلق بها حنث، وإن لم نجعله ضامناً بالدفع حنث.
والثالث: أنه لا يدفعها بنفسه ولكن يدل عليها فتؤخذ بدلالته فمذهب الشافعي لا ضمان عليه، لأن الدلالة سبب والأخذ مباشرة، فصار كالمحرم إذا دل على صيد لم يضمنه، وقال بعض أصحابنا البصريين: يضمن لأنه في الوديعة ممنوع من العدوان والتفريط والدلالة واحد منهما، فضمن بها وإن كان معذوراً.
مسألة (1)
قال الشافعي: "ولو شرط أن لا يرقد على صندوق هي فيه فرقد عليه كان قد زاده حرزاً".
قال في الحاوي: أما نومه على الصندوق من غير أن ينهاه المالك عنه فهو زيادة حرز لا يضمن به إجماعاً، فأما إذا نهاه عن النوم عليه فذلك ضربان:
أحدهما: أن لا يقصد بنهيه التخفيف عنه والترفيه عليه، فمتى نام عليه لم يضمنه.
والثاني: أن يقصد بالنهي عن النوم عليه الكراهة خوفاً من التنبيه عليه، ففي ضمانه إذا نام عليه وجهان:
أحدهما: وهو الظاهر من مذهب الشافعي وقول الأكثرين من أصحابنا أنه لا يضمن لأنه قد زاده حرزاً، فصار كمن أودع خريطة فجعلها من خريطة ثانية.
والثاني: وهو قول مالك، يضمن لما فيه التنبيه عليها والإغراء بها، وهكذا لو أمره أن يقفلها بقفل واحد فقفلها بقفلين كان ضمانه على هذين الوجهين، وهكذا لو أمره أن يدفنها في أرض ليس عليها حائط. فدفنها فيها وبني عليها حائط كان على هذين الوجهين، وهكذا لو أمره أن يتركها في بيت لا يحفظه أحد فأقام فيه من يحفظه فسرقت فإن كان الحافظ لها سرقها ضمن، وان سرقها غيره فضمانه على وجهين.
مسألة (2)
قال الشافعي: "ولو قال: لم تودعني شيئاً ثم قال: قد كنت استودعتنيه فهلك ضمن".