عنك إذا قدمت لنا نعم الصدقة.
فدل على أنه قد كانت تحمل إليه صدقات البلاد.
وروي أن عدي بن حاتم حمل صدقة قومه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إلى أبي بكر من بعده.
وروي أن معاذ بن جبل قال لأهل اليمن ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة (1) فدل على أنه قد كان ينقل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة اليمين إلى المدينة، ولأن ما لزم إخراجه للطهرة لم يختص ببلده كالكفارة ولأنه لما جاز فعل الصلاة في غير بلد الوجوب جاز نقل الزكاة إلى غير بلد الوجوب.
إذا قيل بالقول الثاني أن ذلك لا يجزئ وهو القول الأصح، فدليله قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجابوك فأعلمهم أن في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" (2).
فجعل وجوب أخذها من أغنياء اليمن موجباً لردها على فقراء اليمن. فإن قيل: فلا يمنع ذلك من نقلها عن بلد من بلاد اليمن إلى غيرها من بلاد اليمن، وإن دل على المنع من نقلها إلى غير اليمن.
قيل: لما جعل محل الوجوب محل التفرقة اقتضى أن يتميز فيها بلاد اليمن كما يتميز بها جميع اليمن على أن من جوز نقلها سوى في الجواز بين الإقليم الواحد والأقاليم، ومن منع من نقلها سوى في المنع بين الإقليم الواحد والأقاليم، وقد روي عن معاذ أنه قال: أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته (3) فجعله النقلة عن المكان بعد وجوب الزكاة فيه يمتنع من نقلها عنه، وذلك صار عنه بالأمر الذي تقدم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار كالمنقول عنه نصاً، ولأن حقوق الله تعالى ضربان:
أحدهما: على الأبدان.
والثاني: في الأموال.
فلما كان في حقوق الأبدان ما يختص بمكان دون مكان، وهو الطواف والسعي والوقوف بعرفة وجب أن يكون في حقوق الأموال ما يختص بمكان دون مكان، وهو الزكاة ولأن اختصاص الزكاة بالمكان كاختصاصهما بأهل السهمان، فلما لم يجز نقلها عن أهل السهمان لم يجز نقلها عن المكان وأما الأجوبة عن دلائل القول الأول فالآية قصدها بيان أهل السهمان دون المكان فلم يعدل بها عن مقصودها.