وأما حديث قبيصة بن المخارق فمحمول على أحد وجهين:
إما على ما في سواد المدينة من الصدقات أو على ما لم يوجد في بلد المال مستحق لها.
وأما قول معاذ "ائتوني بخميس أو لبيىس"، فإنه محمول على مال الجزية، لأن المهاجرين بالمدينة من بني هاشم وبني المطلب يصرف إليهم الجزية ولا تصرفه إليهم الزكاة.
وأما نقل عدي بن حاتم صداقات قومه ففيه أجوبة:
أحدها: أنه يجوز أن يكون قومه حول المدينة وفي موادها فنقل زكاتهم إلى أهل المدينة.
والثاني: أنه يجوز أن يكون نقلها ومستحقوها بالمدينة ليتولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمها فيهم.
والثالث: أنه أظهر الطاعة بنقلها لاسيما وقد منع الناس الزكاة على عهد أبي بكر ثم يجوز أن يكون ردها إليه ليفرقها. على أنه قد روي عن أبي بكر أنه رد عليه صدقات قومه وأما الكفارة فالفرق بينهما وبين الزكاة في الجواز ما جعلوه فرقاً بينهما في الكراهة لأنهم كرهوا نقل الزكاة ولم يكرهوا نقل الكفارة.
وكذلك الجواب عن الجمع بين الصلاة والزكاة أن الفرق بينهما في الكراهة فرق بينهما في الجواز على أن الصلاة لا ينتفع أهل البلد بإقامتها فيهم، وينتفعوا أهل البلد بتفريق الزكاة فيهم فجاز أن يكون لهم في فريق الزكاة حق، وإن لم يكن لهم في إقامة الصلاة حق.
فصل
فإذا تقرر اختصاص الزكاة بمكانها ووجوب تفريقها في ناحيتها فلا يخلو حال الزكاة من أن تكون زكاة مال أو زكاة فطر، فإن كانت زكاة مال فالمراعى فيها مكان المال لا مكان المالك فلو كان في ناحية وماله في أخرى كانت ناحية المال ومكانه أحق بتفريق زكاته فيها من ناحية المالك ثم في ناحية المال التي هي أحق بتفريق زكاته فيها وجهان لأصحابنا:
أحدهما: أنهما من المال لمسافة أقل من يوم وليلة؛ لأنها مسافة الإقامة التي لا يقصر في مثلها الصلاة فكانت حد المستحق الزكاة.
والوجه الثاني: أنها البلد الذي فيه المال، وما أحاص به ببنائه دون ما خرج عنه، وإن كانت زكاة زرع وثمر في صحراء لا بنيان فيها ففي أقرب البلاد والبنيان إليها، وسواء كان البلد صغيراً أو كبيراً يكون جميع أهل البلاد مستحقين لها، وإن كانت زكاة مال ناض، فإن كان البلد صغيراً فجميع أهله فيه سواء، وإن كان البلد واسعاً كالبصرة وبغداد