ولكن المسكين الأخلق الكسب قال ابن علية: الأخلق الكسب: المخارف، ولأن في اشتقاق الفقر والمسكنة دليلاً على أن الفقر أسوأ حالاً من المسكنة.
أما الفقر فقد اختلف في اشتقاقه فقال قوم: هو مشتق من انكسار الفقار، وهو الظهر الذي لا تبقى معه قدرة.
وقال آخرون: هو مشتق من الفاقة، ومن قوله تعالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} القيامة:25 وفيها ثلاثة تأويلات:
أحدهما: أنها الفاقرة الداهية العظمى، وهو قول مجاهد.
والثاني: أنها الهلاك المستأصل، وهو قول السدي.
والثالث: أن السر المحلى، وهو قول قتادة، وعلى أي التأويلات كان فهو للمبالغة في سوء الحال.
وأما المسكنة فقد اختلف في اشتقاقها فقال قوم: هي مشتقة من التمسكن وهو الخضوع، وقال آخرون: هي مشتقة من السكون، لأن المسكين ما يكن إليه فدل على أنه أحسن حالاً، ولأن شواهد أشعار العرب تدل على ذلك، أنشد ابن الأعرابي لبعض العرب (1):
هل لك في أجر عظيم تؤجره تغيث مسكيناً قليلاً عسكره
عشر شياه سمعه وبصره قد حدث النفس بمصر يحضره
فسماه مسكيناً وله عشر شياه، فدل على أن للمسكين مالاً وأنه أحسن حالاً وأما الجواب عن قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} البلد:16 فهو أن المراد بالمسكين ها هنا الفقير لأنه لم يطلق ذكره، ولكن قيده بصفات الفقراء، وقد يطلق اسم المسكين على الفقير كما ذكرنا، وإنما كلامنا في المسكين الذي قد أطلقت صفته.
وأما الجواب عن الآية الأخرى فهو أن السائل لا يكون أحسن حالاً من المتعفف: لأنه قد يسأل فيحرم ويتعفف فيعطى.
وأما الجواب عن قول الأعرابي: لا والحمد لله أنا فقير، فهو إذا أبان بذلك منزلته في الشكر مع شدة الضر.
وأما الشعر فلا دليل فيه: لأنه بعد أخذ الحلوبة سماه فقيراً حين لم يترك له سبد، فإذا ثبت أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين، فقد يكون الفقير سائلاً وغير سائل وقد يكون المسكين سائلاً وغير سائل، وهو معنى قول الشافعي في الجديد والقديم من التسوية فظن المزني أن قوله قد اختلف فيه فجعل الجديد أولى وليس كما ظن والله أعلم.