أحدهما: الأشراف المطاعون وقد حسنت في الإسلام نياتهم ولكن في إعطائهم تآلف لقومهم وترغيب لأكفائهم ونظرائهم كالزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاهما تآلفاً لقومهما وترغيباً لنظرائهما.
والضرب الثاني: أشراف مطاعون قد أسلموا بنيات ضعيفة إن أعطوا قويت نياتهم وحسن إسلامهم، وإن منعوا وبما أفضى بهم ضعف النية إلى الردة فقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمثال هؤلاء مثل عيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي، فإنه تآلف كل واحد منهما بمائة بغير وترك العباس بن مرداس السلمي فلم يعطه ثقة بحسن إسلامه كما ترك الأنصار وقصر به على مهاجرة الفتح حتى استعتب العباس بن مرداس فيما أنشده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شعره حيث يقول:
كانت ذهاباً تلافيتها وكرى على القوم بالأجرع
وحتى الجنود لكي يدلجوا إذا هجع القوم لم أهجع
أتجهل نهبي وذهب العبي د بين عيينة والأقرع
الأبيات إلى آخرها.
فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطي مائة (1) بعير فاحتمل إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك له أحد أمرين:
ذكرهما الشافعي:
أحدهما: أن يكون قد بطن به حسن النية في الإسلام فمنعه ثم بان منه ضعف النية فتآلفه.
والثاني: أن يكون على حسن نيته لكن خشي نقص الرتبة وحظ المنزلة فأحب المساواة بينه وبين أكفائه فأعطاه مع حسن إسلامه وهذا أشبه الأمرين بشعره، فهذان الضربان من مؤلفة المسلمين قد تآلفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته، وفي جواز تآلفهم الآن بعد وفاته قولان:
أحدهما: يجوز اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - مع عموم قوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} التوبة:60 ولأن أبا بكر رضي الله عنه لما أتاه عدي بن حاتم الطائي بثلاثمائة بعير من صدقات قومه أعطاه منها ثلاثين بعيراً ليتآلف بها قومه، وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد، فيمن أطاعه من قومه فلحق به في زهاء ألف وجل وأبلى بلاء حسناً.
والثاني: لا يجوز أن يتآلفوا لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأهله بالقوة والكثرة عن أن يتألف فيه أحد، ولأن عمر وعثمان وعلياً رضي الله عنهم ما تآلفوا من مال الصدقات أحداً وقد روى حسان بن عطية: أن عيينة بن حصن أتى عمر فسأله شيئاً فلم يعطه فقال: وقل الحق من ربك تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} الكهف:29 فإن قيل: لا يعطى الكفار فلا مقال وإذا قيل: يعطون تآلفاً لقلوبهم، فعن المال الذي يتآلفون منه قولان: