قيل: ليس هذا في كل غارم ولا الغارم الذي عليه الدين يلزمه رد ذلك بعينه، لأنه لو دفع غيره أجزأ.
فأما الجواب عن استدلالهم من الآية من أن مطلق الرقبة يتناول العبد القن دون المكاتب فهو أن ادعاء ذلك غير مسلم؛ لأنه إن أطلق تناول القن وغيره، وإن قيد بقرينة كالتحرير تخصص لأجل القرينة بالقن دون غيره فلما أطلق ذكر الرقاب في الصدقة وجب أن يحمل على عمومه ولا يجري مجرى ما خص في الكفارة بقرينة.
وأما الجواب عن استدلالهم من الآية بأن الله تعالى أصناف الصدقات إلى أهل السهمان بلام التمليك إلا الرقاب فهو أنه قد قال مثل ذلك في الغزاة وبني السبيل فقال: "وفي سبيل الله وابن السبيل" لا يقتضي ذلك أن لا يدفع إليهم تمليكاً كذلك الرقاب.
وأما الجواب عن استدلالهم فيها بأن المكاتبين من جملة الغارمين فمن وجهين:
أحدهما: أنهم غير الغارمين لأن ديونهم غير مستقرة وديون الغارمين مستقرة.
والثاني: أنهم وإن تقاربوا في المعنى فإنه يستفاد بذكرهم أن لا يقتصر على الغارمين لو لم يذكروا عليهم دون الغارمين؛ لأنهم منهم وجرى ذلك مجرى ذكر الفقراء والمساكين وإن كانوا متقاربين يستغنى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر؛ لأن لا يقتصر على أحدهما حتى يلزم الجمع بينهما.
وأما الجواب عن استدلالهم بالكفارات فهو أن المأمور بإخراجه في الكفارات هو العتق لذلك لو أعتق رقبة يملكها أجزأه، والمأمور بإخراجه في الصدقات هو المال ولذلك لو أعتق رقبة يملكها لم يجزه فافترقا.
فصل
فإذا ثبت أن سهم الرقاب مصروف في المكاتبين فلا يخلو حال المكاتب من أحد أمرين:
إما أن يكون قادراً عليه من مال الكتابة أو عاجزاً عنه، فإن كان قادراً عليه وذلك بأحد وجهين: إما بمال في يده بقدر الباقي من مال كتابته أو بصناعة يكتسب بها فذلك يكونا في الحكم سواء ولا يجوز أن يدفع إليه من شيء من الصدقات لأنها مصروفة في ذوي الحاجات وليس هذا المكاتب منهم وإن كان عاجزاً عما عليه من مال الكتابة فلا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يكون نجم الكتابة قد حل عليه أو لم يحل، فإن كان نجم الكتابة قد حل عليه واستحق السيد المطالبة به دفع إليه وكان رب المال والعامل بالخيار بين أن يدفعه إلى المكاتب حتى يدفعه المكاتب إلى سيده أو يدفعه ابتداء إلى السيد بأمر المكاتب أو بغير أمره، وإن كان نجم الكتابة لم يحل ومطالبة المكاتب به لم تجب ففي جواز الدفع إليه وجهان:
أحدهما: لا يدفع إليه لأن غير محتاج إليه.