والثاني: أن سائر الأصناف لما استحقوا الأخذ وجب أن يكون صنف الرقاب مستحقاً الأخذ.
والثالث: أن الله تعالى ذكر في الآية ثمانية أصناف وقرن فيها بين كل صنفين يتقارب معناهما فنقارب في حاجتنا إليهم وفرق بين سبيل الله وابن السبيل لأن معناهما متقارب في اختصاصهم بقطع مسافة، وفرق بين الرقاب والغارمين، فوجب أن يكون معناهما متقارباً فلما أخذ الغارمون لما في الذمة اقتضى أن يأخذ الرقاب لما في الذمة.
الرابع: أن الله تعالى جعل المصروف إلى الأصناف صدقة وفي صرفه في العتق يصير ثمناً يخرج عن حكم الصدقة.
والخامس: أن الله تعالى جعل كل صنف من أهل الذمة، ممن يمكن دفع سهمه إليه من كل صدقة ولا يمكن إذا جعل سهم الرقاب في العتق أن يعتق سهمهم من كل صدقة إذا جعل في المكاتبين أمكن أن يدفع إليهم في كل صدقة.
والسادس: أنه لو صرف سهم الرقاب في مكاتبين وبقي عليهم من آخركم آخر نجم ما يعتقون به فأعطوا ما عتقوا به أجزأ، ولو خرجوا من حكم الآية لم يجز كالعتق في الكفارة فدل على أنهم المواد بالآية.
والسابع: أن الله تعالى لو أراد بالرقاب المعتق لقرنه بذكر التحرير كالكفارة حيث قال: "فتحرير رقبة مؤمنة" ولا يقتضي أن يحمل مطلق الرقاب في الصدقة على المقيد منها في الكفارة لأن في المطلق في الرقاب ما يجزئ وهو ما ذكرنا من المكاتبين، فكان حمل المطلق على المطلق أولى من حمله على المقيد، وخالف تقيد الشهادة بالعدالة في موضع وإطلاقها في آخر، لأنه ليس في الشهادة مال يعتبر فيه العدالة، فلذلك وجب حمل المطلق على المقيد، ويدل عليه من طريق الاعتبار أنه ضعف من أهل الصدقة فوجب أن يكونوا على صفة يستحقوا بها الأخذ قياساً على سائر الأصناف، ولأن العتق يقتضي ثبوت الولاء للمعتق فلو أعتق سهم الرقاب لم يخل أن يثبت على المعتق ولاء أو لا يثبت عليه، ولا سلب حكم العتق.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق" (1) وإن ثبت عليه الولاء لم يخل أن يكون لرب المال أو لغيره فلم يجز أن يكون لغيره؛ لأنه غير معتق بماله ولم يجز أن يكون لرب المال الأمرين:
أحدهما: أنه ما اشتراه ولا أشتري له.
والثاني: أنه لا يستفيد بإخراج زكاته ملكاً كسائر الأصناف فثبت امتناع العتق.
فإن قيل: فلو أخذ الغارم سهمه وعليه لرب المال دين جاز أن يستعيده من دينه فيصير ملكاً له.