فرع
قال بعض أصحابنا بخراسان: كل رشح الحيوان مثل الماء أو غيره من المائعات إذا أغليت فارتفع من غليانها بخارًا وتولد منها رشح، فظاهر لفظ الشافعي يقتضي أنه لا يجوز التطهر به، لأنه يسمى عرقًا، وهذا غير صحيح عندي في الماء؛ لأن الماء إذا غلى فرشحه يكون ماء حقيقة، وينقص منه بقدره، فهو ماء مطلق يجوز التطهر به.
مسألة: قال: "أَوْ مَاِء زَعْفَرَاٍن، أَوْ عُصْفُرٍ، أَوْ نَبِيٍذ، أَوْ مَاِء بُلَّ فِيِه خُبْزٌ".
الفصل
إلى آخره، وهذا كما قال، قد تقدم الكلام في النبيذ، والمراد به الماء الذي ينبذ فيه التمر أو الزبيب حتى يتحرى فيه، فإن كان حلوًا غير مسكر فهو طاهر لا يجوز التطهر به. وقيل: إن تحرى فيه يجوز التطهر به، وإن كان مسكرًا فهو نجس لا يجوز شربه ولا التطهر به أصلًا، ويجب الحد بشربه وبه قال مالك، وأحمد، وأبو يوسف، وهو رواية عن أبي حنيفة إلا في النجاسة والحد وروي عن أبي حنيفة رواية أخرى أنه يتوضأ به ويتيمم معه، وبه قال محمد. وروي عنه رواية ثالثة وهي الأشهر، أنه 24 ب/ 1 يجوز التوضأ به إذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر، واحتج بخبر عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فقال له: يا عبد الله أمعك ماء؟ فقلت: لا، ولكن معي إداوة فيها نبيذ التمر، فأخذه وتوضأ به، وقال: "تمرة طيبة وماء طهور".
قلنا: رواية مظعون، فإن صح نحمله على الماء الذي نبذ فيه التميرات لسلب ملوحة الماء على عادة العرب، ولم يتغير بعد بدليل أنه قال: "شجرة طيبة وماء طهور". فأفردهما بالذكر.
فأما الماء الذي بل فيه خبز فإنه أراد به إذا تفتت فيه وتهرى. فإن قيل: ذلك لا بأس به وإن تغير به أدنى شيء. وقوله: "حَتَّى يُضَاَف إلى مَا خَالَطَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ فَلَا يَجُوُز التَّطَهُّرُ بِهِ" وعلى هذا عامة النسخ. وفي بعضها: "أَوْ خَرَجَ مِنْهُ" بالألف، ومقتضى الكلام عند حذف الألف أن ماء الورد يجوز الوضوء به ما لم يخالطه زعفران أو غيره، وهذا من مواضع الإشكال، فمعناه حتى يضاف إلى ما خالطه إن كانت الإضافة إلى المخالطة، وحتى يضاف
إلى ما خرج منه إن كان الإضافة إلى الأصل الذي يعتصر الماء منه، فتقدير الكلام إثبات الألف وإن لم تكن في عامة النسخ.
فإذا تقرر هذا قال أصحابنا: الماء ضربان؛ مطلق ومضاف. فالمطلق هو ما استجمع أوصافه الثلاثة اللون، والطعم، والرائحة، يجوز التطهر به.