باب الاختلاف في المؤلفةمسألة (1)
قال الشافعي رحمه الله: "قال بعض الناس لا مؤلفة فيجعل سهمهم وسهم سبيل الله في الكراع والسلاح في ثغور المسلمين".
قال في الحاوي: قد مضت مسائل هذا الباب مشروحة بدلائلها وإنما أورده الشافعي مقصوراً على ذكر الاختلاف فيها والاحتجاج عليها فاقتصرنا منه على الإشارة إلى تفصيل ما أورده، فمن ذلك مسألتان قدمهما في هذا الفصل:
إحداهما: في سهم المؤلفة.
والثانية: في سهم سبيل الله.
فأما سهم المؤلفة فإن أبا حنيفة أسقطه وزعم أن لا مؤلفة للاستغناء عنهم بقوة الدين وإعزاز المسلمين، وهو عند الشافعي ثابت على الشرح الذي قدمناه؛ لأن الله تعالى أثبت لهم في آية الصدقات سهماً فلم يجز نسخه بعد انقطاع الوحي؛ ولأن ما بقي للإسلام أعداء يلزم جهادهم بقي مؤلفة يتآلف قلوبهم كالعصر الأول.
وأما سهم سبيل الله تعالى، فإن أبا حنيفة زعم أنه مصروف مع سهم المؤلفة في الكراع والسلاح في ثغر المسلمين وعند الشافعي أنه مصروف على ما قدمناه في الغزاة والمجاهدين، ولا يجوز أن يشتري به كراعاً ولا سلاحاً لمن لم يتعين منهم، لأن الله تعالى جعل مال الصدقات مصروفاً إلى مالكين فإن تعين الغزاة الذين يعطون تلك الصدقات واحتاجوا إلى كراع وسلاح فإن كان قاسم الصدقة رب المال لم يجز أن يشتري لهم بسهمهم كراعاً وسلاحاً ودفع إليهم عين ماله ليتولوا لأنفسهم شراء ما احتاجوا إليه من كراع وسلاح لئلا يصير رب المال دافعها قيمة زكاة إذ يمنع الشافعي منها وإن كان قاسم الصدقة والياً ففي جواز إتباعه ذلك لهم وجهان مضيا.
مسألة (2)
قال الشافعي: "وقال بعضهم ابن السبيل من مر يقاسم في البلد الذي به الصدقات".
قال في الحاوي: وهذه مسألة ثالثة أراد بها أبا حنيفة حيث يقول: إن ابن السبيل الذي يستحق سهمه من الصدقات هو المجتاز ببلد الصدقة دون المنشئ لسفره منه ليكون مصروفاً إلى من تناوله حقيقة الاسم، وعند الشافعي أنه مصروف إلى المجتاز والمنشئ اعتباراً بالعموم، ولأن المنشئ جاز للمال فكان أولى من المجتاز الغريب، ولأنه لما جاز أن يعان المجتاز على بعض سفره فأولى أن يعان المنشئ على جميع سفره.