وليس الأمر فيه على ما قاله بل هو عقد إجارة محضة، والأجرة فيها نصف البذر ونصف العمل فيصح قولًا واحدًا وبالله التوفيق.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "وَيَجُوزُ كِرَاءُ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالوَرَقِ وَالعَرْضِ وَمَا نَبَتَ مِنَ الأَرْضِ أَوْ عَلَى صِفَةٍ تُسَمِّيهِ كَمَا يَجُوزُ كِرَاءُ المَنَازِلِ وَإِجَارَةُ العَبِيدِ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، وقد اختلف الناس في إجارة الأرضين على ثلاثة مذاهب:
أحدها: ما ذهب إليه الحسن البصري وطاوس إلى أن إجارة الأرضين باطلة لا تجوز بحال.
والثاني: ما قاله مالك بن أنس أن إجارتها جائزة بالذهب والورق، ولا يجوز بالبر، والشعير، ولا بما ينبت من الأرض.
والثالث: ما قاله الشافعي رضي الله عنه وأبو حنيفة وجماعة الفقهاء أنها تجوز بكل معلوم من ذهب او ورق أو عرض أو بما ينبت من الأرض من بر أو شعير أو غيره.
واستدل الحسن طاوس على المنع من إجارتها بحديث رواه ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع ابن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض فلقيه عبد الله فقال: يا ابن خديج ماذا تحدث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في كراء الأرض فقال رافع لعبد الله بن عمر سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أهل الدار أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نهى عن كراء الأرض فقال عبدالله, والله لقد كنت أعلم في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن الأرض تكري، ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أحدث في ذلك شيئاً لم يكن يعلمه، فترك كراء الأرض.
وروى ابن المبارك عن سعيد بن أبي شجاع عن عيسى بن سهل عن رافع بن خديج قال إني ليتيم في حجر رافع، وحججت معه فجاءه أخي عمران بن سهل فقال: أكرينا أرضنا فلانة بمائتي درهم، فقال: دعه، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نهى عن كراء الأرض.
قال: ولأنه لما لم تجز إجارة النخل والشجر لكونهما أصلًا لكل ثمر فكذلك الأرض لأنها تجمع الأصل والفرع.
فصل:
واستدل مالك على أن إجارتها بالطعام وبما ينبت من الأرض لا يجوز، بحديث سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج عن بعض عمومته، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "من كانت له ارض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا يكاريها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى" وروى