وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا ميتة ليست لأحد فهو أحق بها" فجعل زوال الملك عن الموات شرطًا في جواز ملكه بالإحياء فدل على أن ما جرى عليه ملك لم يجز أن يملك بالإحياء، وروى أسمر بن مضرس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له مال" فخرج الناس تبعًا يتخاطبون، وهذا نصن ولأنها أرض استقر عليها ملك مسلم فلم يجز أن تملك بالإحياء كالذي بقيت آثارها مع مالك، وكالذي تعين أربابها مع أبي حنيفة، ولن ما صار مواتًا من عامر المسلمين لم يجز أن يملك بالإحياء كالأوقاف والمساجد.
وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضًا مواتًا فهي له فهو دليل عليهم، لأن الأول قد أحياها فوجب أن يكون أحق بها من الناس لأمرين:
أحدهما: أنه أسبق.
والثاني: أن ملكه قد ثبت باتفاق.
وأما الجواب عن قياسهم على الجاهل وعلى الذي لم ينزل أمواتًا فالمعنى فيهما أنهما لم يجر عليهما ملك مسلم.
فصل:
فإذا تقرر أن إحياؤه لا يجوز فإن عرف أربابه فهو أحق به ولهم بيعه إن شاءوا، وإن لم يعرف أربابه فقد اختلف أصحابنا هل يجوز للإمام أن يعطيه من يعمره أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يجوز لاستقرار الملك عليه.
والثاني: لا يجوز إذا رأى ذلك صلاحًا، لقيامه بالنظر العام، وهذان الوجهان حكاهما أبو القاسم بن كج.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَعَطِيَّتُهُ صلى الله عليه وسلم عَامَّةً لِمَنْ أَحْيَا المَوَاتَ أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانِ وَغَيْره".
قال في الحاوي: وهذا كما قال.
الموات يملك بإحيائه من غير إذن الإمام وإقطاعه وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: من أحيا مواتًا بغير إذن الإمام لم يملكه وانتزعه من يده وقال مالك: إن كان للأرض ثمن ويشاع الناس عليها ويتنافسون فيها لم يجز إحياؤها إلا بإذن الإمام، وإن كانت مهملة جاز بغير إذنه، واستدل من منع من إحياؤها بغير إذنه، واستدل من منع من إحيائها بغير إذن الإمام بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس للمرء إلا ما طابت به