كدجلة (والفرات) والنيل والبحر فهي أرض عشر، وقد أجمع العراقيون على أن ما أحيي من موات البصرة وسباخها أرض عشر, أما على قول محمد بن الحسن فلأن دجلة البصرة مما أبراه الله تعالى من الأنهار, وما عليها من الأنهار المحدثة فهي محياة احتفرها المسلمون في الموات، وأما أبو حنيفة فقد اختلف في علة ذلك على قوله، فذهب بعض أصحابنا إلى أن العلة في ذلك أن ماء دجلة والفرات يستقر في البطائح فينقطع حكمه ويذهب الانتفاع به ثم يخرج إلى دجلة والبصرة فلا يكون من ماء الخراج، لأن البطائح ليست من أنهار الخراج وهذا قول طلحة بن أدم, وقال آخرون: إن علة ذلك ومعناه أن ماء الخراج يفيض إلى دجلة البصرة في حرزها وأرض البصرة يشرب من مدها، والمد من البحر وليس من دجلة والفرات، وهذا تعليل جعلوه عذراً لمذهبهم حين شاهدوا والصحابة ومن تعقبهم من التابعين رضي الله عنهم قد أجمعوا عند إحياء البصرة وهي أول مصر بني في الإسلام على أنها أرض عشر لم يضرب عليها خراج وليست العلة فيه إلا أنه موات استحدث إحياؤه, وكذلك كل موات أحيي, ولأنه لو كان حكم الأرض معتبراً بمائها حتى تصير أرض العشر خراجاً بماء الخراج لوجب أن تصير أرض الخراج عشراً بماء العشر، وفي تركهم للقول بذلك في ماء العشر إبطال لما قالوه في ماء الخراج، ولأن الأرض أصل والماء فرع لأمرين:
أحدهما: أن الماء قد يصرف عن أرض إلى أخرى فيساق إليها ماء أرض أخرى.
والثاني: أن الخراج مضروب على الأرض دون الماء, والعشر مستحق في الزرع دون الأرض والماء إذا كان الماء فرعاً لا يتعلق به أحد الحقين لم يجز أن يعتبر به واحد من الحقين.
فصل:
وإذا أراد الرجل حفر بئر بالبادية فإحيائها يكون بحفرها حتى يصل إلى مائها؟ فما لم يصل إليه فالإحياء غير تام, فإذا وصل إلى الماء نظر فإن كانت الأرض صلبة لا تحتاج إلى طي فقد كمل الإحياء وتم الملك, وان كانت الأرض رخوة لا تستغني عن طي صار الطي من كمال الإحياء فما لم يطو فالإحياء لم يكمل, فإذا كمل الإحياء نظر فإن حفرها للسابلة صارت سبيلاً على ذي كبد حرى من آدمي أو بهيمة، ويكن حافرها كأحدهم, فقد وقف عثمان رضي الله عنه بردمه فكان يغترف بدلوه مع الناس، وان حفرها لنفسه فقد ملكها وحريمها، وليس له أن يمنع فضل مائها, فلو أراد سدها منح منه، لما تعلق بفضل مائها من حقوق السابلة, وهكذا لو حفر نهراً أو ساق عيناً كان في حكم البئر.