مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَلَهُ مَرَافِقُهَا الَّتِي لَا يَكُونُ صَلَاحُهَا إِلَّا بِهَا".
قال في الحاوي: وهكذا كما قال قد ذكرنا أن من أحيا أرضا فقد ملكها وحريمها بدليل ما قدمناه على داود فيما تفرد به عن الكافة في إبطال الحريم، فإذا كان حريم الأرض من حقوقها فهو عندنا معتبر بالعرف فيما لا تستغني الأرض عنه من مرافقها وليس بحدود، فإن كانت الأرض المحياة كان حريمها طرفها ومفيض مائها ويبدو زرعها وما لا تستغني عنه من مرافقهاء وقال أبو حنيفة: حريمها ما لم يبلغه مائها وبعل منها.
وقال أبو يوسف: حريمها ما انتهى إليها صوت المنادي من حدودها، وكلا المذهبين تركيب لقار لم يركبه شرع ولا اقتضاه معهود ولا أوجبه قياسي وليس لما لم يوجبه واحد من هذه الثلاثة إلا أن يكون معتبراً بالعرف فيما لا يستغنى عنه.
فصل:
وان كان المحيا داراً فحريمها طريقها وفناؤها, ولما مصرت البصرة وجعلت خططا لقبائل أهلها جعل عرض كل شارع من شوارعها عشرون زراعا إلا الأعظم من شوارعها فإنهم جعلوه ستين ذراعاً, وجعلوا عرض كل زقاق تع أزرع, وجعلوا في وسط كل قبيلة رحبة فسيحة لمرابط خيلهم ومقابر موتاهم، وقد روى بشير بن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف القوم في طريق فليجعل سبعة أذرع " وهذا إنما قاله اختباراً لا حتماً، لأنه لم يجعل ذلك حدا فيما أحياه لأصحابه بالمدينة.
فصل:
وأما البئر والنهر فحريمها معتبر بالعرف أيضاً من غير تحديد، وكذلك العين وهو قدر ما تدعو الحاجة إليه فيما حولها، وقال أبو حنيفة حريم العين خمس مائة ذراع، وحريم بئر الناضج خمسون ذراعاً.
وقال أبو يوسف: حريم بئر العطن أربعون ذراعاً إلا أن يكون رشاؤه أبعد فتكون له منتهى رشائه، وحريم النهر ملقى طينة عند حفره، وحريم الفناء ما لم يسمح محلى وجه الأرض وكان جامعا للماء، والعرف في ذلك أولى من تحديد ما لم يتقدر شرعاً ولا قياساً، فلو حفر بئرا في موات فملكها وحريمها ثم حفر آخر من بعد الحريم بئراً أخرى فنصب ماء الأولى إليها وغار فيها قال الملك: يمنع الثاني ويطم عليه بئره، وهكذا لو حفر الثاني بئرا طهورا فتغير ماء الأولى طمت الثانية على صاحبها، وذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن بثر الثاني مقرة وان نصب بها ماء الأولى أو تغير، لأنه لا حق للأول فيما جاوز حريم ملكه ولو أستحق المنع لتقدير الحريم.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَمَنْ أَقْطَعَ أَرْضاً أَوْ تَحَجَّرَهَا فَلَمْ يُعْمِرْهَا رَأَيْتُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إِنْ أَحْيَيْتَهَا وَإِلَّا خَلَّيْنَا يبَيْنَهَا وَيَبْنَ مَنْ يُحْيِيهَا فَإِنْ تَأَجَّلَهُ رَأيْتُ أَنْ يَفْعَلَ".