رَقيقًا وَأَجْعَلُ مِلْكَهَا لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ بِأَنَّهَا أَمَتُهُ. قَالَ المُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أَجْمَعَتِ العُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقِّ لَزِمَهُ وَمَنْ ادَّعَاهُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ بدَعْوَاهُ وَقَدْ لَزمَتْهَا حُقُوقٌ بإقْرَارِهَا فَلَيْسَ لَهَا إِبْطَالُهَا بدَعْوَاهَا".
قال في الحاوي: وصورة هذه المسألة في لقيط بلغ فجرت عليه أحكام الأحرار في عقوده وأفعاله اعتبارًا بظاهر حاله في الحرية، لأنه ممكن من ذلك كله ولا يمنع منه بالإشكال سواء قيل إنه حرّ في الظاهر أو مجهول الأصل فإذا وجد ذلك منه وجرت أحكام الحرية عليه ظاهرًا ثم جاء رجل فادعى رقه وأنه عبد فلا يخلو أن يكون له بينة تشهد له برقه أو لا يكون فإن أقام برقه بينة على ما تقدم من وصف البينة حكمنا له برقه وأجرينا عليه أحكام العبيد في الماضي من حاله وفي المستقبل فلما بطل من عقوده الماضية بالرق أبطلناه وما وجب استرجاعه من غرم أو مال استرجعناه وسواء في ذلك ما ضر غيره أو نفعه أو نفع غيره وضره، لأن البينة حجة عليه وعلى غيره وإن لم يكن للمدعي بينة فلا يخلو أن يقر اللقيط له بالرق أو ينكره فإن أنكره حلف له وهو على ظاهر حريته وإن أقر له بالرق فلا يخلو أن يكون قد اعترف قبل ذلك بالحرية أو لم يعترف فإن كان قبل ذلك قد اعترف بالحرية لم يقبل إقراره بالرق إلا أن تقوم بينة، لأن اعترافه بالحرية قد تعلق به حق الله تعالى وإن تضمنه حق لنفسه فلم يكن له إبطال حق الله تعالى وإن أبطل حق نفسه وإن لم يكن قد اعترف قبل ذلك بالحرية قبل إقراره بالرق سواء قيل بجهالة أصله أو بظاهر حريته، لأن إقراره على نفسه أقوى من حكم الظاهر ولأن الكفر بالله تعالى أغلظ من الرق ثم كان قوله لو بلغ مقبولاً في الكفر فأولى أن يكون مقبولاً في الرق.
فصل: فإذا ثبت أن إقراره بالرق مقبول أجريت عليه أحكام الرق في المستقبل وفي إجرائها عليه في الماضي قولان:
أحدهما: تجري عليه أحكام الرق في الماضي كما تجري عليه أحكامه في المستقبل، وهذا على القول الذي نجعله فيه مجهول الأصل ووجهه شيئان:
أحدهما: أن الرق أصل إذا ثبت تعلق في فرعه من أحكام فإذا ثبت أصله فأولى أن تثبت فروعه.
والثاني: أنه لما كان إقراره بالرق موجبًا لإجراء أحكام الرق عليه في المستقبل كالبينة اقتضى أن يكون موجبًا لذلك في الماضي كالبينة.
والثاني: أنه يجري عليه في الماضي أضر الأمرين به من أحكام الحرية أو الرق فما نفعه وضر غيره لا يقبل منه وما ضره ونفع غيره قبل منه وهذا على القول الذي نجعله فيه حرًا في الظاهر ووجهه شيئان:
أحدهما: أن إقراره فيما ضر غيره متهوم فأمضى وإقراره فيما ينفعه متهوم فرد.
والثاني: أنه كما لم يملك إبطاله من العقود بغير الإقرار بالرق لم يملكه بالإقرار،