وروى أبو الشعثاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم له وكل قسم أدركة الإسلام فإنه على قسم الإسلام" ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين" ولأن الميراث ينتقل بالمورث إلى ملك الوارث لا بالقسمة ولأن تأخير القسمة لا يوجب توريث من ليس بوارث كما أن تقديمها لا يوجب سقوط من هو وارث، ولأنه إن ولد للميت إخوة قبل قسمة تركته لا يرثوه فهذا كما لو أسلموا لم يرثوه.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم "من أسلم على شيء فهو له" ففيه تأويلان:
أحدهما: من أسلم وله مال فهو له لا يزول عنه بإسلامه.
والثاني: من أسلم قبل موت مورثه رغبة في الميراث فهو له، وأما حديث ابن عباس فمعناه أن المشركين إذا ورثوا ميتهم ثم اقتسموه في جاهليتهم كان على جاهليتهم ولو أسلموا قبل قسمته اقتسموه على قسمة الإسلام والله أعلم.
فرع: وإذا مات ذمي ولا وارث له كان ماله لبيت المال فيئًا لا ميراثًا ويصرف مصرف الفيء فلو كان له عصبة مسلمون لم يكن لهم فيها صار منه إلى بيت المال حق وهكذا إذا كان عصبة الذمي في دار الحرب ليس لهم عهد فلا ميراث لهم منه، ويكون ماله فيئًا ولو كان لهم عهد استحقوا ميراثه.
فرع: وإذا تحاكم أهل الحرب إلينا في ميراث ميت منهم وله ورثة من أهل الحرب وورثة من أهل العهد وورثة من أهل الذمة لم يورث أهل الذمة منهم كما لا نورثهم من أهل الذمة وقسمنا ميراثه بين أهل الحرب وأهل العهد مع اتفاق دراهم واختلافها وتباين أناسهم واتفاقها كالروم والترك والهند والزنج. وقطع أبو حنيفة التوارث بين المختلفين من أجناسهم والمتباينين في ديارهم فلم يورث التركي من الرومي ولا الزنجي من الهندي، وهذا قول يؤول إلى أن يجعل الكفر مللًا وهو لا يقوله.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَالمَمْلُوكُونَ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح العبد لا يرث ولا يورث فإذا مات العبد كان ملاه لسيده ملكًا ولا حق فيه لأحد من ورثته وهذا إجماع فأما إذا مات للعبد أحد من ورثته لم يرثه العبد في قول الجميع، وحكي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه إذا مات أبو العبد وأخوه اشترى العبد من تركته وأعتق وجعل له ميراثه فاختلف