كان لعبد غيره جاز وكانت وصية لسيده، وهل يصح قبول العبد لها بغير إذن سيده على وجهين:
أحدهما: تصح، كما يصح أن يملك والاحتشاش بالاصطياد من غير إذن.
والثاني: وهو قول أبي سعيد الإصطخري: لا تصح، لأن السيد هو المملك.
فعلي الوجه الأول: لو قبلها السيد دون العبد، لم يجز، وعلى الوجه الثاني: يجوز. فأما إذا أوصي لمدبره فالوصية جائزة إذا خرج المدبر من الثلث، لأنه يملكها دون الورثة، لعتقه بموت السيد. ولو خرج بعضه من الثلث دون جميعه، صح من الوصية بقدر ما عتق منه، وبطل منه بقدر ما رق منه.
ولو وصي لمكاتبه. كانت الوصية جائزة، لأن المكاتب يملك، فإن عتق بالأداء فقد استقر استحقاقه لها، فإن كان قد أخذها قبل العتق وإلا أخذها بعده، وغن رق بالعجز نظر فإن لم يكن قد أخذها فهي مردودة، لأنه صار عبدًا موروثًا، وإن كان قد أخذها ففيه وجهان:
أحدهما: ترد اعتبارًا بالانتهاء في مصيره عبدًا موروثًا.
والثاني: لا ترد، اعتبارًا بالابتداء في كونه مكاتبًا مالكًا.
فأما الوصية لأم ولده: فجائزة، سواء كان لها ولد وارث أو لم يكن، لأن عتقها بالموت أنفذ من عتق المدبر، ولا يمنع ميراث ابنها من إمضاء الوصية، لأن الوصية لأبي الوارث وابنه جائزة، وقد روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أوصى لأمهات أولاده.
فصل: وأما الوصية للكافر فجائزة، ذميًا كان أو حربيًا.
وقال أبو حنيفة: الوصية للحربي باطلة، لأن الله تعالى أباح للمسلمين أموال المشركين، فلم يجز أن يبيع للمشركين أموال المسلمين. وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه لما يمنع شرك الذمي، لم يمنع شرك الحربي من الوصية، كالنكاح.
والثاني: أنه لما جازت الهبة للحربي وهو أمضي عطية من الوصية، كان أولى أن تجوز له الوصية، وسواء كان الموصي مسلمًا، أو كافرًا. فأما وصية المرتد فعلي ثلاثة أقسام. ذكرناها في كتاب الوقف:
أحدها: أن يوصي لمن يرتد عن الإسلام. فالوصية باطلة لعقدها على معصية.
والثاني: أن يوصي بها لمسلم فيرتد عن الإسلام بعد الوصية له. الوصية جائزة، لأنها وصية صادفت حال الإسلام.
والثالث: أن يوصي بها لمرتد معين ففي الوصية وجهان:
أحدهما: باطلة.