والثاني: جائزة.
فصل: فأما الوصية للميت: فإن ظنه الموصي حيًا، فإذا هو ميت، فالوصية باطلة. وإن علمه ميتًا حين الوصية: فقد أجازها مالك وجعلها للورثة، لأن علمه بموته يصرف قصده إلى ورثته. وهذا فاسد، والوصية باطلة، لأنه لو وهب للميت مع علمه بموته كانت الهبة باطلة فكذلك الوصية أولى. والله أعلم.
فصل: وأما الوصية لمسجد، أو رباط، أو قنطرة، فجائزة، وتصرف في عمارته، لأنه لما انتفي الملك عن هذا كله توجهت الوصية إلى مصالحهم. وأما الوصية للبيع، والكنائس، فباطلة، لأنها مجمع معاصيهم. وكذلك الوصية بكتب التوراة والإنجيل، لتبديلها وتغييرها. وسواء كان الموصي مسلمًا أو كافرًا، وأجازها أبو حنيفة من الكافر دون المسلم، كما أجاز وصيته بالخمر والخنزير. وهذا فاسد لقوله تعالى: {وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} المائدة: 49.
وأما الفصل الثالث: من الموصي به.
فهو كل ما جاز الانتفاع به من مال ومنفعة، جازت الوصية به، وسواء كان المال عينًا، أو دينًا حاضرًا، أو غائبًا، معلومًا، أو مجهولًا، مشاعًا أو مفرزًا. ولا تجوز الوصية بما لا يجوز الانتفاع به. من عين أو منفعة كالخمر والخنزير والكلب غير المعلم. وهو مقدر بالثلث، وليس للموصي الزيادة عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد: «الثلث، والثلث كثير» وأولى الأمرين به أن يعتبر حال ورثته، فإن كانوا فقراء، كان النقصان من الثلث أولى من استيعاب الثلث، وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: «لأن أوصي بالسدس أحب إلى من أن أوصي بالربع، والربع أحب إلى من الثلث وإن كان ورثته أغنياء، وكان في ماله سعة، فاستيفاء الثلث أولى به».
وقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: «الثلث وسط، لا بخس فيه ولا شطط». ولو استوعب الثلث من قليل المال وكثيره، مع فقر الورثة، وغناهم، وصغرهم، وكبرهم، كانت وصية ممضاة به.
وأما الزيادة على الثلث: فهو ممنوع منها في قليل المال وكثيره؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع سعدًا من الزيادة عليه وقال: «الثلث، والثلث كثير». فإن وصي بأكثر من الثلث أو بجميع ماله، نظر:
فإن كان له وارث: كانت الوصية موقوفة على إجازته ورده فإن ردها رجعت الوصية إلى الثلث. وإن أجازها صحت، ثم فيها قولان.
أحدهما: أن إجازة الورثة ابتداء: عطية منهم، لا تتم إلا بالقبض، وله الرجوع فيها ما لم يقبض. وإن مات قبل القبض بطلت كالهبة.