وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يعتق عنه بأقل من الألف، ويكون عجز الثلث عنها مبطلًا للوصية بالعتق، لأنه جعل الألف صفة في العتق مع العجز لعدم الصفة، وصار كقوله: أعتقوا عبدي الأسود، فإذا عدم الأسود، لم يجز أن يعتق غيره للوصية بالعتق، لأنه جعل الألف صفة في العتق فلم يصح العتق مع العجز لعدم الصفة وصار كقوله: أعتقوا عبدي الأسود، فإذا عدم الأسود، لم يجز أن يعتق غيره. وهذا فاسد، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
ولأنها وصية إذا عجز الثلث عنها، لم يسقط حكم ما احتمله منها، قياسًا على سائر الوصايا؛ ولأن العتق إذا ضاق الثلث عن احتمال جميعه، رد إلى ما احتمله الثلث من أجزائه، كالوصية بعتيق عبد بعينه، ولم يذكر للألف صفة، فتكون شرطًا، وإنما ذكرها قدرًا وجعلها في العتق حدًا.
مسألة:
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: «ولو أوصي أن يحج عنه ولم يكن حج حجة الإسلام فإن بلغ ثلثه حجة من بلده أحج عنه من بلده وإن لم يبلغ من حيث بلغ. قال المزني -رحمه الله- والذي يشبه قوله أن يحج عنه من رأس ماله؛ لأنه فيقوله دين عليه».
قال في الحاوي: وجملة ذلك أن للميت في الحج عنه حالتين:
حالة يوصي به، وحالة لا يوصي به، فإن لم يوصي به، فلا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يكون عليه حج واجب، أو لا حج عليه، فإن لم يكن عليه حج. لم يجز أن يتطوع عنه بالحج. وإن كان عليه حجة الإسلام، فمات قبل أن يوصي بها، فوجب أن يحج عنه من رأس ماله بأقل ما يوجد من ميقات بلده، وكذلك يخرج عنه من رأس ما وجب عليه من زكاة وكفارات وإن لم يوص بها.
وقال أبو حنيفة: لا يصح لاحج عنه، ولا الزكاة، إلا بوصية منه، وهذا فاسد، لما ذكرناه في الحج، ولأن ما تعلق وجوبه بالمال، لزم أداؤه عنه، وإذا لزم أداؤه عنه، فمن رأس المال كالديون. ويخرج منه أجرة المثل من الميقات، لا من بلده، وإن كانت استطاعت من بلده شرطًا من وجوب، لأنه إذا كان حيًا، لزم أدواة بنفسه فصارت بضع المسافة معتبرة في استطاعته فإذا مات، لم يتعين في النائب عنه أن يكون من بلده، وإنما لزم أن يؤتي بالحج من ميقات بلده، فلذلك اعتبر أجرة المثل من ميقات بلده.
فصل: وإن أوصى أن يحج عنه فلا يخلو حاله من أحد أمرين.