تعالى إلى الدعاء وأمر به رسوله عليه الصلاة والسلام. فإذا جاز له الحج حيًا جاز له ميتًا وكذلك ما تطوع به عنه من صدقه».
قال في الحاوي: وذهب قوم من أهل الكوفة إلى أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب استدلالًا بقوله تعالى: {وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى (39)} النجم: 39، ولأنه لما لم يجز أن يلحقه الإيمان إذا مات كافرًا، بإيمان غيره عنه، لم يجز أن يلحقه ثواب فعل غيره عنه.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الميت قد يلحقه الثواب بفعل غيره على ما سنصفه لقوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} الأحزاب: 56.
فأمر الله تعالى بالصلاة على نبيه، ولا يجوز أن يأمر بما لا يقبله من الدعاء. وقال الله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ} الحشر: 10 فلولا تأثير هذا الدعاء عنده لما ندب إليه.
وروي سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن، رواه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وروي هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن أمي افتلتت نفسها، ولولا ذلك لتصدقت وأعطيت، أفيجز لي أن أتصدق عنها؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم فتصدقي عنها».
قولها: اقتتلت نفسها، أي ماتت فلتة من غير وصية.
وروي عمر بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رجلًا قال: يا رسول الله إن أمي توفيت، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: فإن لي لمخرفًا وأشهدك أني قد تصدقت به عنها.
ولأن الصلاة على الميت واجبة علينا، وهي دعاء له، فاقتضي أن يكون الدعاء لاحقًا به، مسموعًا منه في صلاة وغير صلاة.
ولأن لما لحق الميت قضاء الديون عنه حتى لا يكون مؤخذًا بها ومعاقبًا عليها، ولعله لم يجز ذلك حين جاز في الصدقة، وإن لم يوص به حيًا.
فأما قوله تعالى: {وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى (39)} النجم: 39.