وفي قوله بلال سيدنا ثلاثة تأويلات:
أحدها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «سيد القوم خادمهم». والثاني: لسابقته في الإسلام، وأنه كان من المعذبين فيه. والثالث: أنه قصد به التواضع وكسر النفس.
وقد أعتق عمر، وعثمان، وعلي رضوان الله عليهم، عبيدًا وإماءًا وكذلك أهل الثروة من الصحابة رضي الله عنهم في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعده، فدل على فضل العتق فقيل: يا رسول الله: أي الرقاب أفضل؟ قال: أكثرها ثمنًا وأنفسها عند أهلها» ولأن في العتق فكًا من ذل الرق بعز الحرية وكمال الأحكام بعد نقصانها، والتصرف في نفسه بعد المنع منه وتملك المال بعد حظره عليه فكان من أفضل القرب من المعتق وأجزل النعم على المعتق ولأن الله تعالى كفر به الذنوب وجبر به المآثم ومحا به الخطايا وما هو بهذه الحال فهو عند الله عظيم.
فصل
فإذا تقرر هذا فالعتق ضربان: واجب وتطوع.
فالواجب خاص في بعض الرقاب. وهي أن تكون مؤمنة سليمة من العيوب. والتطوع أن يكون عامًا في جميع الرقاب من مؤمنة وكافرة وسليمة ومعيبة. والعتق يقع بالقول الصريح وكناية. والصريح لفظتان: أعتقت، وحررتك، يقع العتق بهما مع وجود النية وعدمها. والكناية: قوله حرمتك، وسبيتك، وأطلقتك، وخليتك، وما في معناه، فإن نوى به العتق عتق وإن لم ينو لم يعتق ولا يعتق بالنية من غير لفظ كالطلاق ويصح معجلًا ومؤجلًا وناجزًا وعلى صفة وبعوض وبغير عوض اعتبارًا بالطلاق وبعلم العبد وبغير علمه ومع إرادته وكراهته.
فصل
وإذا كان العتق على ما وصفنا فهو يسري كسراية الطلاق وسرايته أعم من سراية الطلاق لأنه يسري إلى ملك المعتق وإلى غير ملكه وسراية الطلاق لا تسري إلا إلى ملك المطلق، فإذا أعتق الرجل بعضًا من عبده كقوله: نصفه حر عتق جميعه ولم يقف العتق الذي باشره.
وروي قتادة عن أبي المليح أسامة بن عمير عن أبيه أن رجلًا أعتق شقصًا من غلام فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «هو حر كله ليس لله شريك».
وإذا أعتق شركاء له في عبد شرك بينه وبين غيره عتق عليه ما يملكه منه وروعيت حاله في يساره وإعساره فإن كان موسرًا سري عتقه إلى شريكه، وعتق عليه جميعه،