فأما التغليظ: فهو أن فرض عليه أشياء خففها عن خلقه وذلك لأمرين:
أحدهما: لعلمه بأنه أقوم بها منهم وأصبر عليها منهم.
والثاني: ليجعل أجره بها أعظم من أجورهم وقربه بها أزيد من قربهم. وأما التخفيف فهو أنه إباحة أشياء حظرها عليهم. وذلك لأمرين:
أحدهما: لتظهر بها كرامته وتبين بها اختصاصه ومنزلته.
والثاني: لعلمه بأن ما خصه من الإباحة لا يلهيه عن طاعته وإن ألهاهم, ولا يعجزه عن القيام بحقه وإن أعجزهم, ليعلموا أنه على طاعة الله تعالى أقدر وبحقه أقوم. فإن قيل: فقول الشافعي: "ليزيده بها إن شاء الله تعالى قربة إليه" كان على شك فيه حتى استثنى بمشيئة الله تعالى.
قيل: ليست شكًا وفيها لأصحابنا وجهان:
أحدهما: أنها تحقيق كقوله تعالى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات: 102.
والوجه الثاني: أنها بمعنى إذا شاء الله وتكون بمعنى إذ, كما قال تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ} الفتح: 27.
مسألة:
"فَمِن ذَلِكَ أَن كُل مَن مَلَكَ زَوجًة فَلَيسَ عَلَيهِ الصلاَةُ والسلاَمُ أَن يُخَيرَ نِساءَهُ فَاختَرنَهُ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح ذكر الشافعي ما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مناكحته دون غيره لأمرين:
أحدهما: أنه كتاب النكاح فأورد ما اختص بالنكاح.
والثاني: أنه منقول عنه من "أحكام القرآن" فأورد منه ما نص الله تعالى عليه في القرآن, فمن ذلك وهو ما خص به تغليظًا, أن الله تعالى أوجب عليه تخيير نسائه واسم يوجب ذلك على أحد من خلقه, فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} الأحزاب: 28 - 29 فاختلف أهل العلم فيما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه على قولين:
أحدهما: أنه خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن, وبين اختيار الآخرة فيمسكهن, ولم يخيرهن الطلاق. وهذا قول الحسن وقتادة.
والثاني: أنه خيرهن بين الطلاق أو المقام. وهذا قول عائشة ومجاهد. وهو الأشبه