بقول الشافعي. واختلف أهل العلم في سبب التخيير على خمسة أقاويل:
أحدها: أن نساءه تغايرن عليه فحلف أن لا يكلمهن شهرًا فأمر بتخييرهن, وهذا قول عائشة.
والثاني: أنهن اجتمعن يومًا وقلن: نريد ما تريد النساء من الثياب والحلي وطالبنه, وكان غير مستطيع, فأمر بتخييرهن, حكاه النقاش.
والثالث: أن الله تعالى أراد امتحان قلوبهن ليرتضي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساء خلقه فخيرهن.
والرابع: أن الله تعالى صان خلوة نبيه فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فلما أجبن إلى ذلك أمسكهن. وهذا قول مقاتل.
والخامس: أن الله تعالى خير نبيه بين الغني وبين الفقر, فنزل عليه جبريل وقال: إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول: إن شئت يا محمد جعلت لك جبالاً ذهبًا, فقال: صف لي الدنيا, فقال: حلالها حساب, وحرامها عذاب, فاختار الفقر على الغني والآخرة على الدنيا, وقال: "لأن أجوع يومًا فأصبر, وأشبع يومًا فأشكر خيرًا من الدنيا وما فيها, اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرين في زمرة المساكين" فحينئذٍ أمره الله تعالى بتخيير نسائه, لما في طباع النساء من حب الدنيا, فلما نزل عليه التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة, وكانت أحب نسائه إليه وأحدثهن سنًا- فتلا عليها آية التخيير- حتى تستأمري أبويك لأنه خاف مع حبة لها أن تعجل لحداثة سنها فتختار الدنيا فقالت: أفيك يا رسول الله أستأمر أبوي. قد أخذت الله ورسوله والدار الآخرة, وسألته أن يكتم عليها اختيارها عند أزواجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان النبي أن يفعل" ثم دخل على أزواجه, فكان إذا دخل على واحدة منهن تلا عليها الآية تقول: ما اختارت عائشة؟ فيقول: اختارت الله ورسوله والدار الآخرة, حتى دخل على فاطمة بنت الضحاك الكلابية, وكانت من أزواجه, فلما تلا عليها الآية فقالت: قد أخذت الحياة الدنيا وزينتها فسرحها, فلما كان في زمن عمر وجد تلقط البعر وهي قول: اخترت الدنيا على الآخرة فلا دنيا ولا آخرة. فإذا تقرر ما وصفنا من تخييرهن. انتقل الكلام إلى الاختيار. فإن قيل: عليه السلام خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن, وبين اختيار الآخر: فيمسكهن لم يقع بهذا الاختيار طلاق حتى يطلقهن, وعليه أن يطلقهن إن أخذن الدنيا كما طلق فاطمة بنت الضحاك لقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} الأحزاب: 28 والسراح الجميل يحتمل ثلاث تأويلات:
أحدها: أنه الصريح من الطلاق دون الكناية لئلا يراعي فيه النية.
والثاني: أنه أقل من ثلاث لتمكن فيه الرجعة.