يتعقبه رجوع.
والثالث: أنه لما كان تحريم طلاقهن باقياً وجب أن يكون تحريم النكاح عليهن باقيا لأنهما جميعا جزاء.
وذهب الشافعي إلى تحريم النكاح عليهن نسخ حين اتسعت الفتوح فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات حتى أحل له النساء وهذا قول عائشة وأبي بن كعب والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أَجُورَهُنَّ ومَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} الأحزاب: 50. والإحلال يفضي إلى عدم الحظر ولم يحظر على النبي صلى الله عليه وسلم النكاح قبل التخيير، فدل على أن الإحلال والإباحة بعد حظر التخيير.
فإن قيل: فهذا الإحلال إنما يوجه إلى نسائه اللاتي خيرهن وأخذنه وهذا قول مجاها قيل: لا يصح من وجهين:
أحدهما: أنهن قد كن حلاله قبل نزول هذه الآية بإحلالهن.
الثاني: أنه قال فيها: {وَبَنَاتِ عَمِكَ وَبَنَاتِ عَمَّتِكَ} الأحزاب: 150 ولم يكن في نسائه المتخيرات أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته.
فإن قيل: فهذه الآية متقدمة على التلاوة على قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} ولا يجوز أن يكون المتقدم ناسخًا للمتأخر؟ قيل: هي وان كانت متقدمة في التلاوة فهي متأخرة في التنزيل، فجاز النسخ بها كما في قوله تعالى: {والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا} البقرة: 234 ناسخ لقوله تعالى: {والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إلَى الحَوْلِ} البقرة: 240 وهي متقدمة في التلاوة لكنها متأخرة في التنزيل.
فإن قيل: فهلا قدمت تلاوة ما تأخر تنزيله؟
قيل: لأن جبريل عليه السلام كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأية من القران أمره أن يضعها في موضع كذا. فإن قيل: فلما أمره بتقديم تلاوة ما تأخر تنزيله؟ قيل: لسبق القارئ إلى معرفة حكمه، حتى إن لم يعرف حكم ما بعده من المنسوخ أجزأه، ويدل على نسخ الحظر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطفي صفية بنت حيي من سبي خيبر سنة ثمان فأعتقها وتزوجها، وذلك بعد التخيير, فقد قالت عائشة وأبي بن كعب: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبيح له النساء.
وهما بذلك أعرف، ولأن علة الحظر الضيق والشدة، فإذا زالت زال موجبها، وقد فتح الله تعالى على رسوله حتى وسع على نسائه وأجرى لكل واحدة منهن ثمانين صاعا من تمر وأربعين صاعا من شعير سوى الهدايا والألطاف. وأما الاستدلال بالآية فقد ذكر وجه نسخها، وأما الجزاء وهو مشروط بحال الضيق والشدة, وأما الطلاق فالفرق بينه وبين التزويج عليهن أن في طلاقهن قطعا لعصمتهن ويخرجن به أن يكون في أزواجه في الآخرة وليس في التزويج عليهن قطع لعصمتهن فافترقا والله أعلم.