فإذا ثبت نسخ الحظر مما ذكرنا فقد اختلف أصحابنا في الإباحة هل هي عامة في جميع النساء، أو مقصورة على المسميات في الآية، إذا هاجرن معه على وجهين:
أحدهما: أن الإباحة مقصورة على المسميات من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته اللاتي معه، وهذا قول أبي بن كعب لرواية أبي صالح عن أم هانئ قالت: نزلت هذه الآية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني فنهى عني لأني لم أهاجر.
والوجه الثاني: وهو أظهرهما أن الإباحة عامة في جميع النساء؟ لأنه تزوج بعدها صفية وليست من المسميات فيها، ولأن الإباحة رفعت ما تقدمها من الحظر، ولأنه في استباحة النساء أوسع حكما من جميع أمته فلم يجز أن يقصر عنهم.
مسألة:
قال الشافعي: - وَقَالَ الله تَعَالَى: {وامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إن وهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ} الأحزاب: (50).
قال في الحاوي: وهذا مما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح تخفيفا، أن ينكح بلفظ الهبة, لأن الشافعي بدأ بذكر ما خص به في النكاح تغليظا، وذلك في ثلاثة أشياء؟ وجوبا التخيير، وتحريم الطلاق، وتحريم الاستبدال بهن.
ثم عقبه بذكر ما خص به تخفيفا، فمن ذلك أن إباحة الله تعالى أن يملكه نكاح الحرة بلفظ الهبة من غير بدل يذكر مع العقد، ولا يجب من بعد فيكون مخصوصا به من ين أمته من وجهين:
أحدهما: أن يملك نكاح الحرة بلفظ الهبة ولا يجوز ذلك لغيره من أمته.
والثاني: أن يسقط عنه المهر ابتداء مع العقا وانتهاء فيما بعده وغيره من أمته يلزمه المهر فيما بعد.
وقال أبو حنيفة: إنما اختص بسقوط المهر وحده وهو وأمته سوا، في جواز العقا بلفظ الهبة.
وقال سعيد بن المسيب: إنما خص بسقوط المهر وليس له ولا لغيره من أمته أن يعقا بلفظ الهبة، ويه قال من الصحابة أنس بن مالك، وذهب إليه بعض أصحاب الشافعي، والدليل على تخصيصه بالأمرين وإن كان للكلام مع أبو حنيفة موضع يأتي.
وقوله تعالى: {وامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إن وهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ} الأحزاب: (50) والهبة تتميز بلفظها عقدا، وسقوط المهر فيها بدلا، وقد جعلها خالصة من دون المؤمنين، فلم يجز لأجد من أمته أن يشاركه في واحد من الحكمين. وفي الآية قراءتان: