إحداهما: "إن وهبت" بالفتح وهو خبر عما مضى, والقراءة الأخرى بالكسر وهو شروط في المستقبل، فاختلف العلماء هل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت له نفسها بحسب اختلافهم في هاتين القراءتين، فمن قرأ بالكسر وجعله شرطا في المستقبل قال: لم يكن عنده امرأة موهوبة, ويه قال مجاهد. ومن قرأ بالفتح جعله خبرا عن ماض قال: قد كانت عنده امرأة وهبت له نفسها واختلفوا فيها على أربعة أقاويل:
أحدهما: أنها أم شريك بنت جابر بن خباب, وكانت امرأة صالحة وهذا قول
عروة بن الزبير.
والثاني: أنها خولة بنت حكيم. وهذا قول عائشة.
والثالث: أنها ميمونة بنت الحارث. وهذا قول ابن عباس.
والرابع: أنها زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار. وهذا قول الشعبي.
وإذا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم من وهبت له نفسها أو شرط له في المستقبل أن تقبل من وهبت له نفسها خالصة من دون المؤمنين. كان دليلا قاطعا على من خالف.
وروي عن سهل بن سعد الساعدي: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد وهبت نفسي منك، فقالت: ما لي في النساء من حاجة" فلو لم يكن له أن يقبلها لأنكر عليها هبتها.
فرع:
ومما خص به النبي صلى الله عليه وسلم في مناكحه تخفيفان أن ينكح أي عدد شاء. وان لم يكن لغيره من أمته أن ينكح أكثر من أربع في عقد واحد لقوله تعالى: {إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أَجُورَهُنَّ ومَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} الآية الأحزاب: (50)، وأحل له من الأزواج من أتاها أجرها من غير تقدير بعدد، ثم ذكر بنات عمه وعماته وخاله وخالاته من يزيد على الأربع. فدل على اختصاص بالإباحة من غير عدد, وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين إحدى عشر، ومات عن تسع، وكان يقم لثمان, ولأنه لما كان الحر لفضله على العبد يستبح من نكاح النساء أكثر مما يستبحه العبد, وجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لفضله على جميع الأمة يستبيح من النساء أكثر مما يستبيحه جميع الأمة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب, وجعل قرة عيني في الصلاة" فاختلف أهل العلم في معنى تحبيب النساء إليه على قولين:
أحدهما: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف, حتى لا يلهو بما حبب إليه من النساء