أَخَوَاتُ المُؤْمِنِينَ.
قال في الحاوي: وهذا مما خص الله تعالى به رسوله من الكرامة وخص به أزواجه من الفضيلة، وأن جعلهن أمهات المؤمنين فقال عز وجل: {وأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} الأحزاب: (6) يعني اللاتي مات عنهم وهن تسع، فيجري عليهم أحكام الأمهات في شيئين، متفق عليهما وثالث نختلف فيه، أحد الشيئين تعظيم حقهن والاعتراف بفضلهن، كما يلزم تعظيم حقوق الأمهات ولقوله تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ} الأحزاب: (32).
والثاني: تحريم نكاحهن حتى لا يحللن لأحد بعده من الخلق كما يحرم نكاح الأمهات لقوله تعالى: {ومَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ولا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} الأحزاب: 53 وسبب نزول هذه الآية ما حكاه السدي أن رجلا من قريش قال عند نزول أية الحجاب: أيحجبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بنات عمنا ويتزوج نسائنا من بعدنا، لثن حدث به حدث لتزوجن نساءه من بعده، فنزلت هذه الآية، ولأن حكم نكاحهن لا ينقضي بموته لكونهن أزواجه في الآخرة، فوجب أن يكون تحريمهن بعد موته كتحريمهن في حياته.
فأما الحكم الثالث: اختلف فيه فهو المحرم هل يصرن كالأمهات في المحرم حتى لا يحرم النظر إليهن على وجهين:
أحدهما: لا يحرم النظر إليهن لتحريمهن كالأمهات نسبا ورضاعا.
والوجه الثاني: يحرم النظر إليهن حفظا لحرمة رسوله فيهن. وقد كانت عائشة إذا أرادت دخول رجل عليها أقرت أختها أسماء أن ترضعه حتى ليصير ابن أختها، فيصر محرما لها ولا يجري عليهن أحكام الأمهات في النفقة بالميراث، فلهذا قال الشافعي: "أمهاتهم في معنى دون معنى" وإذا كن أمهات المؤمنين ففي كونهن أمهات المؤمنين وجهان:
أحدهما: أنهن أمهات المؤمنين والمؤمنات تعظيما لحقهن على الرجال والنساء.
والوجه الثاني: أن حكم التحريم مختص بالرجال دون النساء فكن أمهات المؤمنين دون المؤمنات، وقد روى الشعبي عن مسروق عن عائشة، أن امرأة قالت لها: يا أمه فقالت: لست لك بأم وإنما أنا أم رجالكم.
واختلف أصحابنا في وجوب العدة عليهن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن على وجهين:
أحدهما: ليس عليهن عدة, لأنهن حرمن كان كل زمانهن عدة.
والثاني: يجب عليهن تعبدا أن يعتدون عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، لما في العدة من الإحداد ولزوم المنزل، ثم نفقاتهن تجب بعد وفاته في سهمه من خمس الخمس من الفيء والغنيمة لبقاء تحريمهن، وقد أنفق عليهن أبو بكر رضي الله عنه وأجرى لهم عمر رضي الله عنه عطاءً فائضا، فهذا حكم من مات عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجاته.