فرع:
فأما اللاتي فارقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فليس لهن من حرمة التعظيم ما للمتوفي عنهن، وفي تحريمهن على الأمة ثلاثة أوجه:
أحدهما: لا يحرمن سواء دخل بهن أو لم يدخل لقوله تعالى {إن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً} الأحزاب: 28 وإرادة الدنيا منهن هي طلب الأزواج لهن, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة" وليس للمطلقات من أزواجه في الآخرة.
والثاني: أنهن يحرمن سواء دخل بهن أو لم يدخل بهن تعظيما لحرمة الرسول فيهن، لقوله صلى الله عليه وسلم:"كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبيا" وليحفظ الله تعالى محبة رسوله في قلوب أمته, فإن العادة أن زوج المرأة يبغض من تقدمه من أزواجها، والتعرض لبعض الرسول كفر.
والثالث: وهو الأصح أنه إن لم يكن دخل بهن لم يحرمن، وإن كان دخل بهن حرمن صيانة لخلوة الرسول أن تبدوا، فإن من عادة المرأة إن تزوجت ثانيا بعد الأول أن تذم عنده الأول إن حمدته، وتحمد الأول إن ذمته, ولأنه كالإجماع من جهة الصحابة.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج في سنة عشر التي مات فيها في شهر ربيع الأول قتيلة أخت الأشعث بن قيس الكندي ولم يدخل بها, فأوصى في مرضه أن تخير إن شاءت أو يضرب عليها الحجاب، وتحرم على المؤمنين ويحرم عليها ما يجري على أمهات المؤمنين، وان شاءت أن تنكح من شاءت نكحت فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: هممت أن أحرمه عليكما، فقال عمر: ما هن من أمهات المؤمنين، ما دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ضرب عليها حجابا، فكف عنها أبو بكر.
وروي أن الأشعث بن قيس تزوج امرأة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وفارقها، فهم عمر برجمهما حتى بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها فكف عنهما، فصار ذلك كالإجماع. فإن قلنا: إنها لا تحرم لم تجب نفقتها، وان قلنا: إنها محرمة ففي وجوب نفقتها في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس وجهان:
أحدهما: تجب كما تجب نفقات من مات عنهن لتحريمهن.
الثاني: لا تجب لأنها لم تجب قبل الوفاة فأولى أن لا تجب بعدها، ولأنها مبتوتة العصمة بالطلاق.