فرع:
فأما الثيب المجنونة فلها حالتان: صغيرة وكبيرة فإن كانت كبيرة جاز لأبيها إجبارها على النكاح للإياس من صحة إذنها إلا أن يكون ممن تجن في زمان وتفيق في زمان فلا يجوز إجبارها لإمكان استئذانها في زمان إفاقتها وإنما يجوز إجبارها إذا طبق الجنون بها فإن لم يكن لهذه أب زوجها الحاكم ولا يكون لأحد من عصبتها تزويجها لأنها ملحقة بولاية المال الثابتة بعد الأب والجد والحاكم دون العصبة فإن كانت الثيب المجنونة صغيرة لم يجز لغير الأب والجد إجبارها من حاكم ولا عصبة, وهل للأب والجد إجبارها إذا كان ما يؤس البرء؟ على وجهين:
أحدهما: له إجبارها قياسًا على ما بعد البلوغ وإنه ربما كان لها الزوج عفاف وشفاء.
والثاني: ليس له إجبارها قبل البلوغ وإن جاز له إجبارها بعد البلوغ لأنه برئها قبل البلوغ إرجاء والإياس منه بعد البلوغ أقوى فمنع من إجبارها ليقع الإياس من برئها.
فرع:
فإذا ثبت ما ذكرنا من حكم الثيب وإنها مفارقة للبكر من وجهين:
أحدهما: أن البكر تجبر والثيب لا تجبر.
والثاني: أن إذن البكر الصمت وإذن الثيب النطق وجب أن تصف الثيب بما تمتاز به عن البكر.
والثيب هي التي زالت عذرتها, وزوال العذرة على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يزول بوطء.
والثاني: أن تزول بطفرة أو جناية.
والثالث: أن تزول خلقة وهي أن تخلق لا عذرة لها, فأما القسم الأول وهو أو تزول عذرتها بوطء, فالوطء على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون حلالًا إما في عقد النكاح أو بملك يمين.
والثاني: أن يكون شبهة.
والثالث: أن يكون زنى حرامًا وجميع ذلك يزول به البكارة سواء كان الوطء نكاح أو سفاح ويجري عليها حكم الثيب.
وقال أبو حنيفة: إذا زالت عذرتها بزنا كان في حكم البكر إلا أن يتكرر منها استدلالًا بأن الزانية إذا تذكرت ما فعلت من الزنا خجلت واستحييت من التصريح بطلب الأزواج فكان حالها أسوأ حالًا من البكر, ولأن كل وطء لا يبيح الرجعة للزوج الأول لم يزل به حكم البكارة كالوطء في غير القبل, ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس للولي مع الثيب أمر"