فكان على عمومه, ولأن بكارتها زالت بوطء أن تكون في حكم الثيب كالموطوءة في نكاح, ولأن كل وطء زالت به البكارة إذا كان حلالًا زالت به البكارة, وإن كان محظورًا كوطء الشبهة, ولأن كل وطء زالت به البكارة إذا تكرر زالت به البكارة وإن لم يتكرر كالمنكوحة, وقد قال: إنه لو تكرر منها الزنا صارت ثيبًا, وكذلك إذا لم يتكرر, ولأن صمت البكر إنما صار إذنًا لاستحيائها بدوام الخفر وقلة اختيارها للرجال فتميزت عن الثيب التي قد ظهر خفرها وخبرت الرجال فصارت أقل حياء من البكر, والزانية لم تقدم على الزنا إلا لزوال الحياء وارتفاع الخفر فصارت أجرأ على القول وأخبر بالرجال من ذات الزوج, وفي هذا الاستدلال انفصال عما أورده, فأما قياسه مع انتفاضه بتكرار الزنا فالمعنى في الوطء في غير القبل بقاء العذرة مفارق الزنا الذي زالت به العذرة في الوطء من غير القبل.
فرع:
وأما زوال العذرة بإصبع أو طفرة أو جناية غير الوطء فقد ذهب أبو على بن خيران من أصحابنا إلى أنه رفع حكم البكارة استدلالًا بمذهب وحجاج, فالمذهب أن الشافعي قال: "أصيبت بنكاح أو غيره" وأما الحجاج فهو: أن الحكم تابع للاسم فلما زال بذلك اسم البكارة وجب أن يزول به حكم البكارة جار عليها, لأن صمت البكر إنما كان نطقًا لما هي عليه من الحياء وعدم الخبرة بالرجال, وهذا المعنى موجود في هذه التي زالت عذرتها بغير وطء, فلما وجد معنى البكر فيها وجب أن يعلق بها حكم البكر وتعليق أحكام البكر بمعاني الأسماء أولى من تعليقها بمجرد الأسماء, وفيه انفصال وما ادعاه من المذهب فقد زال فيه, ولأن قول الشافعي: "أصيبت بنكاح أو غيره" يعني أو غير نكاح من شبهة أو زنا وقد صرح بذلك في كتاب "الأم", وأما التي زالت عنها عذرتها خلقة فلا خلاف أنها في حكم البكر وهذا مما يوضح فساد قول ابن خيران حيث اعتبر الحكم بمجرد الاسم, فإذا تقرر ما وصفنا أراد الولي نكاح المرأة فذكرت أنها بكر قبل قولها ما لم يعلم خلافه وأجرى عليها حكم البكر, فإن قالت: أنا ثيب قبل قولها, وإن لم يعلم لها زوج تقدم ولم يسأل عن الوطء الذي صارت به ثيبًا وأجرى عليها حكم الثيب, فلو زوجها الأب بغير إذن لاعتقاده أنها بكر فادعت بعد عقده أنها ثيب لم يقبل قولها في إبطال النكاح بعد وقوعه على ظاهر الصحة, لأن الأصل فيها البكارة, فإن أقامت أربع نسوة شهدن لها أنهن شاهدنها قبل النكاح ثيبًا لم يبطل العقد إمضاء لجواز أن تكون عذرتها بظفره, أو أصبع أو حلق.